سيد أحمد ولد باب/ إسلاميو موريتانيا.. ألق التجربة وتحدى الاستمرار

خميس, 12/21/2017 - 00:32
كاتب موريتاني - Ouldbaba2007@gmail.com

يشكل المؤتمر الثالث لحزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية (تواصل) محطة بارزة في مسيرة الحزب الإسلامي المعارض، وانعطافة مهمة في تاريخ الأحزاب السياسية السائرة في طريق التغيير، بحكم المساهمة الإيجابية للحزب خلال العشرية الأخيرة في ترسيخ الثقافة الحزبية داخل البلد، والعمل من أجل رفع سقف الحرية وإقناع الآخرين بها، والتوجه نحو تقنين المؤسسية بشكل واضح وصريح بدل التنظير لها على الورق، مع تجربة مهمة من شأنها فك الارتباط الذهني بين المشروع المقنع والقائد الملهم، والدفع باتجاه تغيير يقنع الشارع المتحفز لمعرفة نتائج المؤتمر الثالث، مع ضمان استمرار المؤسسة الحزبية وتحقيق مصالح المنتمين إليها وهم – لله الحمد- كثر.

 

ويعتبر اختيار الشخص الأول في الحزب أول خطوة في ترسيخ ثقافة التداول السلمي على قيادة الأحزاب قبل إقناع الممسكين بالسلطة بتطبيقها، ناهيك عن نتائجها الطيبة علي الحزب والمنتمين له، إن تمت مراعاة المعايير الأساسية في عملة الاختيار، كالكفاءة في الشخص والنزاهة في التسيير والتضحية من أجل العمل وحسن العلاقة بالآخر والقناعة بالمشروع المشترك مهما كانت الظروف الداخلية أو تلك المحيطة به، والقدرة على اتخاذ المواقف والإقناع به والصبر على النتائج مهما كان شكلها.

 

ورغم استحالة وجود القائد المتصف بكل الصفات المطلوبة تظل الحاجة قائمة إلى الاختيار بين المتصدرين للقيادة وهم قلة في الحالة الراهنة، وترجيح قائد على آخر لأسباب موضوعية، بما يحقق التوازن المطلوب ويجعل العملية الديمقراطية خادمة للهدف لا محطة من محطات التدمير وإعادة عقارب الساعة للوراء.

 

ورغم اتصاف مجمل قادة الصف الأول في الحزب (الشيخاني – غلام – السالك - محمد محمود – حبيب - الحسن - أكناته - حمدى..) بمجمل الصفات المذكورة أو أغلبها على الأقل، ووجود نخبة شبابية قادرة على مزاحمة الكبار وإدارة الملف بشكل مقنع (امباله - ولد عبدى - ولد عبد الدائم) إلا أن القدرة على تسيير المشترك وإدارة الخلاف وتعزيز صدارة الحزب داخل المشهد، وإقناع الجمهور تبدوا متفاوتة بشكل كبير بين مجمل المتصدرين للقيادة في الوقت الراهن، مع إكراهات أخرى يفرضها منطق الأحداث وتعززها تجارب الحزب خلال الفترة الأخيرة.

 

ويبدو مسؤول الشؤون السياسية في الحزب والعمدة السابق الشيخاني ولد بيب الأقرب للمنصب، والأجدر بالتزكية في المؤتمر الثالث لقيادة مرحلة جديدة من حراك الإصلاحيين نحو التغيير الذي يدفعون باتجاهه، مع ترشيد مؤسسة استوت على سوقها أو تكاد بعد عقود من الصراع من أجل الشرعية وإقناع الآخر بأهمية الشراكة والتعايش داخل الوطن الواحد مهما اختلفت الرؤى وتباينت المشاريع.

 

فالرجل الذي ترعرع وتربى داخل التيار الإسلامي بموريتانيا خلال العقود الأربعة الماضية، عايش مجمل محطات الفعل السياسي والثقافي للإسلاميين، وكان أحد أركان العملية السياسية خلال العقد الأخير.

 

له تجربة إدارية مقنعة لكل الذين عايشوه داخل الجمعيات الثقافية والخيرية التي تولى تسييرها، وثقافة إسلامية مطلوبة لمن يتصدر المشهد مثله في حزب يعتبر واجهة الإسلاميين داخل البلد، مع تسيير محكم ومسؤول للمجلس البلدي الأهم داخل العاصمة نواكشوط خلال المرحلة الأولى من مشاركة الحزب أو رموزه في العملية السياسية التي أعقبت انقلاب الجيش على السلطة سنة 2005.

 

شارك الشيخاني ولد بيب إلى جانب الرئيس المنصرف محمد جميل ولد منصور وآخرين في تأسيس مبادرة "الإصلاحيين الوسطيين" سنة 2006 لفرض الوجود القانوني للإسلاميين بعد فترة من المطاردة والملاحقة والتحالف مع الغير، وبعد انتخاب سيدي ولد الشيخ عبد الله تحولت المبادرة إلى حزب جديد (تواصل)، فكان الشيخاني ولد بيب أحد قادته البارزين، ومنتخبيه المتصدرين للشأن العام داخل العاصمة نواكشوط.

 

أدار الشيخاني ولد بيب أول تحالف جزئي بين "تواصل" والحزب الحاكم في انتخابات مجلس الشيوخ (سنة 2010)، وحقق للحزب نسبة معتبرة ، رغم ضعف الموارد ومحدودية الأوراق. معززا مكانته داخل البرلمان بغرفتيه، ومدافعا عن خيار كانت ألسنة المعارضين لها بالمرصاد في حملة لم تعمر طويلا بفعل الحصاد المر لمعارضيها.

 

وقبلها أدار الحملة الرئاسية بعد ترشح زميله محمد جميل ولد منصور لرئاسيات (2009) إثر اتفاق العاصمة السنغالية دكار، وهو ملف ظل ولد بيب رجله المختار دون نقاش بحكم الانضباط في العمل والدقة في التعامل والقدرة على تسيير المتناقضات وتدبير الشؤون الإدارية والمالية لملف بالغ التعقيد.

 

مرت علاقة الشيخاني ولد بيب برفاقه داخل الحزب بمحطات مختلفة، لكنه ظل وفيا للحزب، فاعلا فيه، منهمكا في الملفات المحالة إليه، مدافعا عن رأيه بقوة داخل المجالس واللجان، منفذا للأوامر التي تصدر إليه مع احتفاظه بحقه في النقد والتوجيه والاعتراض.

 

يمتاز الشيخاني ولد بيب برؤية القائد بحكم استيعابه للواقع وتخطيطه للمستقبل، ولديه شخصية قوية أكسبته احترام البعض وعقدت علاقته بالبعض الآخر.

 

ويشكل اختيار الرجل للمنصب في حالة حصوله خروجا من منطق أعرج تحاول بعض الجهات فرضه بحكم الثقافية السياسية المأزومة داخل البلد، من خلال إقرار المحاصصة على أساس الجهة والقبيلة "منا أمير ومنكم أمير"، وهو مبدأ يقتل الثقة في العمل ويكرس الجهوية بين "الشرق" و"الغرب"، وينافى أسس الاختيار السليم، عبر تقديم الفرد للقيادة على أساس انتماء قدري لا دخل للشخص فيه، دون انتباه للأضرار التي قد يسببها للحزب والمشروع المشترك من خلال تنازع فج بين مشروعية العمل والانتماء له وسطوة الجهة والقبيلة وربما الفئة والعرق والمال... الخ.

 

لا يحتاج ولد بيب – عكس رفاقه الآخرين- شرحا من القيادة المنصرفة لمجمل الملفات المطروحة أو دراسة متأنية للتجربة التي راكمها الحزب قبل الشروع في البناء والتطوير، أو تفكيك البنية الداخلية من أجل فهم المشروع واختيار المعاونين ، بحكم حضوره الدائم وعلاقته الوطيدة بمجمل الملفات الأساسية من خلال توليه منصب التوجيه السياسي خلال الفترة الماضية وتسيير الحملات الانتخابية في أكثر من محطة ، فالعمل البرلماني والبلدي، والعلاقة بالحلفاء في المعارضة، ومعرفة المنتمين للحزب في العاصمة والداخل والخارج أمور يتقنها الرجل ويدرك كيف يتعامل معها كما تقول التجربة..

 

 يمتاز حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية المعارض "تواصل" بأنه الحزب الوحيد داخل البلد الذي انتظمت اجتماعاته المنصوص عليها في النظم الداخلية طيلة مسار التجربة (25 اجتماعا للمكتب السياسي خلال السنوات الأربع المنصرمة و9 اجتماعات لمجلس الشورى خلال الفترة ذاتها). ويمتاز ولد بيب – كحزبه- بأنه القائد الوحيد في الحزب بعد الرئيس المنصرف محمد جميل ولد منصور الذي لم يغير مقعده ومكان جلوسه طيلة الفترة، بينما غاب آخرون لأسباب مقنعة وغير مقنعة في بعض الأحيان...

 

 وبغض النظر عن كل الصفات السابقة والتجربة الطويلة للرجل في مجال السياسية، والحظوظ الكبيرة له في قيادة التشكلة الأهم داخل المعارضة الموريتانية، تظل إمكانية اختيار غيره لقيادة الحزب واردة، والقناعة به لدى أنصار الحزب متفاوتة، ومصير الشخص الأول بيد المؤتمرين في المؤتمر، ولكل معياره وأولوياته والخير في ما يختاره الله وكل مؤتمر ونحن إلى الحق والإنصاف أقرب.