أحيت الصحافة الموريتانية كما يتضح من بيانات جمعياتها، الذكرى الخامسة والعشرين لليوم العالمي لحرية الصحافة التي تواصلت أمس في موريتانيا أنشطة تخليدها، في أجواء توتر ويأس كبير لدى الروابط الصحافية كما لدى الفاعلين الخصوصيين في هذا القطاع.
فقد انتقدت بيانات صدرت بالمناسبة، عن الجمعيات والروابط الصحافية الموريتانية أمس، تعامل الحكومة مع قطاع الإعلام المستقل، ودعت لتدارك الموقف قبل انهيار منظومة الإعلام الموريتاني التي تواجه تحديات بينها توقف القنوات التلفزيونية الخاصة عن البث بسبب المديونية ومواجهة الصحف لعراقيل الطباعة وغياب الاستفادة من سوف الإعلان.
وتوقفت الجمعيات عند فقدان موريتانيا عشر نقاط في تصنيف «مراسلون بلا حدود» لعام 2017، وهوما فسرته الجهات الرسمية بأنه «جاء على خلفية إصدار قانون يعاقب بالإعدام جرائم الردة والإساءة للرسول عليه السلام».
وأكدت نقابة الصحافيين الموريتانيين في بيان بالمناسبة «أن العام 2017 تميز بإغلاق القنوات التلفزيونية الخاصة بسبب مشاكل مالية مع شركة البث العمومية، وهو ما كان له أثر سلبي على الإعلام في موريتانيا، مسجلة «انزعاجها الشديد من دفع عشرات الصحافيين ثمنا باهظا لتوقف هذه القنوات»، ومطالبة «بإيجاد حل سريع لهذه الأزمة وعودة القنوات التلفزيونية الخاصة المغلقة للبث خدمة للتعددية والحرية».
وأوضحت النقابة «أن افتقاد التمويل وتجفيف المنابع يهدد العمل الإعلامي في موريتانيا وينذر باختفاء الإعلام الحر والمقاولات الصحافية الخاصة، وهو ما يستدعى من السلطات الموريتانية التدخل العاجل لإنقاذ الحقل عبر إيجاد آلية لمساعدة المؤسسات الصحافية الجادة، وتشجيع المقاولات الصحافية نظرا للأهمية الكبيرة التي يمثلها الإعلام في تحقيق التنمية والديمقراطية ودولة القانون».
وانتقدت النقابة «الحالة المزرية للحقوق المعنوية والمادية للصحافيين في موريتانيا»، كما انتقدت حالات الفصل التعسفي لعدد كبير من الصحافيين».
ودعت النقابة «لحماية المكتسبات التي تحققت في مجال الإعلام، وتدارك ما تبقى من مؤسسات صحافية قبل انهيار الحقل نتيجة سياسة التجفيف القاتل التي يعاني منها».
ودق اتحاد المواقع الالكترونية الموريتانية ناقوس الخطر إزاء ما أكد أنه يلاحظه من جمود في التعاطي مع المجال الإعلامي، مشيراً في هذا الصدد «لتراجع موريتانيا في المحافظة على ترتيبها في مؤشر حرية الصحافة، حسب تقرير مراسلون بلا حدود لسنة 2017، وهوما اعتبره الاتحاد «إنذاراً واضحاً على وجود اختلالات قد تؤدى إلى تدمير المكتسبات التي حققتها موريتانيا في السنوات الماضية».
«تمر هذه الذكرى الكبيرة على الصحافة الوطنية، يضيف الاتحاد، دون أن تثير أي انتباه رسمي، ودون الزخم الذي كثيراً ما لاقته ذكرى الثالث من مايو/أيار في السنوات الماضية، فالأزمات الخانقة التي تعيشها المؤسسات الصحافية وانسداد الأفق أمام الصحافيين نتيجة التمييع، كلها عوامل أدت ألي موجة من الركود المهني ألقت بظلالها على كل شيء».
وأضاف «فالمؤسسات الصحافية تعاني، ولم يعد يوجد اعتبار لأي ميثاق أخلاقي، وكأن الدولة قد تخلت عن مسؤوليتها وتركت الحبل على الغارب، وفتحت الباب على مصراعيه لكل من هب ودب لتملك الوسيلة التي يريد، وللحصول على الموارد بالطريقة التي تحلو له، فيما يشبه نوعا من التواطؤ لقتل الصحافة وتشويه صورتها لدى الرأي العام».
ودعا الاتحاد السلطات العمومية «إلى التعامل بجدية مع معاناة القطاع الصحافي من خلال تفعيل قانون الإشهار الذي تمت المصادقة عليه للتخفيف من الأزمة، مع التراجع عن منع وسائل الإعلام المستقلة من الاستفادة من الإعلان والدعم العمومي، والبدء في تنفيذ توصيات الأيام التشاورية حول إصلاح قطاع الصحافة لعام 2015». وفي بيان آخر، أكد الاتحاد المهني للصحف المستقلة في موريتانيا «على مسؤولية الحكومة عن الأوضاع المادية والمهنية المتردية للسلطة الرابعة، وتراجع أدائها بفعل غياب التعاطي الإيجابي معها وتجفيف مصادر الدعم التقليدية لها، وغياب أي دعم بديل يضمن الاستقلالية ويكرس المهنية ويصون أخلاقيات العمل الصحفي، وهوما يستدعي لفتة وطنية جادة ومسؤولة، من طرف الجميع».
وجدد الاتحاد دعوته «لفتح مصادر الأخبار أمام الصحافيين، وتوفير البطاقة الصحافية لمستحقيها، واستفادة الصحافيين والعاملين في المؤسسات الصحافية الخاصة من خدمات التأمين الصحي، مع توفير الدعم المادي والمعنوي للمؤسسات الصحافية المهنية وللصحافيين ورفع الحظر عن مصادر الدعم التقليدية للمؤسسات الصحافية وبخاصة الاشتراكات والإشهارات، وتوفير مطابع حديثة تمكن من تلوين الصحف وخفض تكاليف السحب».
وطالبت «قناة شنقيط» المستقلة في بيان وزعته أمس بالمناسبة «السلطات الموريتانية وبخاصة الرئيس محمد ولد عبد العزيز، بالتدخل لإيجاد حل يعيد القنوات للبث، ومواصلة نقاش قضية الديون وجدولتها انطلاقا من أحقية شركة البث في الحصول على مستحقاتها».
وانتقدت القناة ما سمّته «الإغلاق التعسفي للقنوات التلفزيونية المستقلة بحجة عدم تسديد الديون المتراكمة منذ خمس سنوات وهوما نجمت عنه، حسب القناة، انتكاسة حقيقية وتراجع في حرية التعبير، حيث تم تسريح مئات الشباب العاملين في هذه المؤسسات، وأحيلت استثمارات تقدر بمئات الملايين الى شبه تقاعد فني، وخيم فراغ مفزع في نفوس الموريتانيين بعد أن اعتادوا على تنوع المواد الاعلامية وبخاصة جرأة القنوات الخاصة وهامش الحرية التي كانت تتمتع به، كما اختفى الرأي الآخر في الحوارات التلفزيونية، وتراجعت الطفرة الإعلامية والنهضة الثقافية والسياسية والديمقراطية التي أسس لها وساهم في خلقها الإعلام الخاص منذ خمس سنوات».
وأعربت «شنقيط» في بيانها «عن حزنها على وأد مشاريع عملاقة ساهمت في تنمية موريتانيا»، مشددة على «تمسك القنوات الخاصة بمشروعها الإعلامي الطموح الذي بدأته من الصفر».
وأقرت منظمة اليونسكو تخليد اليوم العالمي لحرية الصحافة، في اليوم الثالث من شهر مايو كل عام. ويركز إحياء الذكرى الخامسة والعشرين لليوم العالمي لحرية الصحافة هذا العام، على توازن قوى الإعلام والعدالة وسيادة القانون.
وشمل إحياء الذكرى الخامسة والعشرين لليوم العالمي لحرية الصحافة لعام 2018، مجموعة واسعة من الاجتماعات والجلسات التي تتناول موضوعات منها حرية الصحافة، والحصول على المعلومات والانتخابات، ونظام العدالة الذي يدعم الصحافة الحرة والآمنة، وحرية التعبير على شبكة الإنترنت مع تحسين التنظيم الذاتي.
ويتزامن اليوم الدولي لحرية الصحافة هذه السنة مع الذكرى السابعة والعشرين لإعلان «ويندهوك»، الذي دعا إلى قيام صحافة مستقلة تعددية وحرة، وهوما جعل الجمعية العامة للأمم المتحدة تقر، تمشياً مع روح المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، يوماً عالمياً لحرية الصحافة بتاريخ 3 أيار/مايو1993، بعد سنتين من إقرار إعلان «ويندهوك»
القدس العربي