صباح كل صباح، يتجه ذلك الـ"بلال" إلى الميناء كي يبرهن أن ثمة آليات كثيرة للتعرق دون الدخول إلى الحمام وأن الابداع في ذلك لا يعنى بالفصول فلا فرق لديه في عرقه الذي يتصبب من كل مسم من مسام جسده بين الشتاء والصيف، وحتى بين "الربيع" و "الخريف".
صباح كل صباح، ثمة ذلك السيد الذي ـ وإن كان في ظاهر أمره ـ يتقن شرب القنينات المعدنية ويدمنها في أكثر الأحوال إلا أنه لا يتوانى في لحظة لا إحساس بالتقزز في أن يشرب عرق 5000 بلال، يقضون أياما طوالا وهم ينتظرون أن يصل كل "بلال" منهم ذلك الدور من استخدام العضلات كي يطعم غرثى لا يعيلهم إلا ثمن عرقه.
هذه إذن قصة المحمول عليهم والمحمول لهم بكل بساطة دون الكثير من توابل السياسة والقراءات "المنحازة"و "المرصودة"، وهذا الذي سيروى بعد هذه القصة لن يخرج من الحقل اللغوي لـ"الحمل" لأنه سيكون قصة الراغبين فيه.
خرجت مظاهرات "الحمالين" بعد أن ضاقوا ذرعا بمكتب تشغيل اليد العاملة والذي يعتبرهم مثل المناديل، "أشياء" بسيطة غير ذات أهمية تستخدم حتى تترهل وترمى في الأزبال، وحين خرجوا لم يجدوا أمامهم في أول أيامهم إلا سيارات الحرس الوطني والدرك وهي تجود عليهم بقنابل غاز مسيل للدموع وهروات ومناورات سيارات يفوق ثمن بنزينها وحده ما يطلبون من "زيادة" في سعر حمل الكيلوغرام، فكان أول الراغبين في "الحمل" هو النظام الذي لا يريد لـ"جمل له أن يبرك في العافية" وقد حقق له الحمالون ذلك، فهو يريد كلما أخرج رجلا من ورطة أن يضع كلتا رجليه في أخرى ساعيا بذلك إلى إلهاء الرأي العام بالأشياء البسيطة عن الأشياء الكبيرة كـ"التسجيلات" و "الفضائح" و "الغلاء".
ثم تتالت لائحة الراغبين في الحمل عبر تتالي بيانات الأحزاب المنضوية تحت منسقية المعارضة والتي أجمعت جميعا ـ بنبل نادر ـ على أن ما يتعرض له الحمالون جريمة في حق "بسطاء" بل وذهب البعض إلى حد الحديث عن "عملية عسكرية" ضدهم، دون أن يحركوا جميعا إلا أصابع "مرتجفة" في الغالب على لوحات مفاتيح سطرت بها في غفلة من كل شجاعة بيانات لا تقدم شيء في نضال المقهورين ولا تؤخره، إلا أن "فضل" و"نتيجة" الوقوف مع "المقهورين" يفوق بكثير "نتائج" الأشواط التي سعت فيها بين دور الشباب والمسجد الجامع وما "رحّلت" أي مظنون بـ"عز".
ولذلك تداركت المنسقية في اليوم الثاني ضعف "البيانات" معبرة بشكل جديد عن رغبتها في "الحمل" من خلال محاولة بعض القياديين أن يجدوا حيث يلصقون أظافرهم في ثياب الذين شتتهم القنابل المسيلة للدموع وسيارات العسكر، فكانت المنسقية بذلك ثاني "الراغبين في الحمل".
لا تحتاج المركزيات النقابية لمن "يحملها" لكنها تحتاج لمن "يتحمل" حماقاتها وصمتها المريب اتجاه الأشياء وتحركها "الساذج" المحسوب بحسايات غير "عمالية" في الغالب اتجاه موضوع عمالي في المجمل، لكنها ــ رغم ذلك ـ حاولت أن يساعدها الحمالون على تجاوز "هناتها" الكثيرة فخرجت ببيانات متتالية تشجب ما يحدث للحمالين ساعية بذلك إلى أن تجد موطء "مقعد" على ظهور مقهورة من كثرة من يريد أن يحمل عليها.
أحزاب المعاهدة لم يرغب منها في ركوب "ظهور" الحمالين إلا "الصواب" فخرج ببيانه الذي يشبه بيانات إخوته في المعارضة "غير المحاورة"، في حين صمت مسعود وبيجل وولد لكحل عما يجري لمقهوري الميناء لأسباب حتى الآن غير واضحة في المجمل إلا أنها تصب إما في "اللا رغبة" في ظهور الذين ُيتسابق على ظهورهم أو في انتظار أن يقتربوا من الوصول كي "يقفزوا" عليهم ويحققوا بتلك "المحدودبات" غاية الوصول إلى "محطة نهاية السير".
بيرام وحقوقيوه لم يغيبوا ولم يحضروا، ولعله يكون الرابح الأكبر من الموضوع، فهو من جهة يقف في صف الحمالين الذين يهمس في آذان متحدثيهم، إلا أنه يهمس أيضا في آذان الراغبين في الوصول إلى حل معهم، وينهاهم عن أن يقبلوا أن يكونوا مطية للسياسيين محققا بذلك هدفا "كبيرا" في مرمى الخصوم "السياسيين" وهو الذي يستعد لتشكل حزبه ويستعد لخوض غمار الانتخابات القادمة.
وبين كل أولئك السياسيين ثمة من الشباب المنتمي في الغالب لأحزاب سياسية وفي النادر لقناعات إنسانية، من حمله الحمالون على ظهورهم وجعلوا منه في هذه الأيام "مدونا" في الموضوع وفي غيره فصار من جملة من "يطالبون" الحمالين بأن يضيفهم إلى ما يحملون.
وبالخلاصة إذن فإن الحمالين كما يبين يقفون وحيدين في وجه آلة القمع فلا أحد تحرك لمؤازرتهم على الأرض، ووحيدين في طريق تحقيق الهدف فالكل يسعى إلى هدف من خلالهم، ووحيدين في حربهم ضد من يحاربهم فهم بذلك أمة مقهورة يشرب عرقها الكثير من الأنذال.
الدو ولد سلمان