شكل تأسيس اللجنة المستقلة للانتخابات في موريتانيا، علامة فارقة في تاريخ الديمقراطية الوليدة في البلاد حيث كانت الآلية الوحيدة لسحب البساط من تحت أيدي وزارة الداخلية والتي أدمنت منح أصوات "كوبني" إلى من تريد و منع أصواته عن من تريد.
تأسست اللجنة بعد مخاض عسير وحين ولدت وجدت "مهدا" لائقا في أرقى أحياء العاصمة نواكشوط غير "بعيد" من مدرسة تركية علّها تتعلم وهو الوليدة من " أطفال التعليم التركي" مبادئ تليق بمن سيزف إليها أكثر اقتراعات الدولة الموريتانية تعقيدا و "أضعفها" مشاركة و أقلها "ريعا" و أكثرها "قلة وضوح".
بقيت اللجنة في "دوحتها" مرتاحة، فلا هي كانت تظن أن نظام الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز سيصك مسامعه عن نداءات الشعب الموريتاني المطالبة بالوفاق الوطني، الأمر الذي أن وقع سيتيح له وقتا كافيا ـ إن حسنت الغذاء الصحي ـ لتنمو وسيترك لها أيضا هامشا من ثقافة التعامل مع "الصغار"، حين لا يكون أحد ضد ولادة الصغير.
ما إن أعلن الموعد الأول للانتخابات بلا منسقية معارضة، حتى بدا بينا تخبط الصغيرة في دوحتها فلا هي تملك آلية للعمل ولا سيارات للنقل ولا مكاتب جهوية ولا رأس مال لتفعل شيء، والرئيس لا يمنح النقود إلا على حين غفلة منه وعلى حين غرة من محتاجيها.
واصلت اللجنة في التخبط متكئة في ذلك على "تاريخ" غير مشرف للمشرفين على الانتخابات في موريتانيا، وما إن حدد الموعد النهائي للانتخابات حتى أوفدت اكثر أعضائها قربا من الرئيس لتعلم ـ وهي التي تحدد ـ مدى جدية موعد الانتخابات التي من المفروض أن تحدد موعدها بجدية، وحين كان الجواب إيجابيا ازدادت صفرة الوجه وامتقاع الضمير وفتحت اللعنات على مصراعيها أمام "الصبية" اللجنة.
لأنها غير راشدة، رفض الكثير من الراشدين تأجير سياراتهم لها، فما كان من الدرك الوطني إلا أن منحها الحق في سيارات الناس عبر اصطحاب كل أصحاب السيارات الرباعية إلى مقره في روصو وتخيير الصغيرة في ما تريد من السيارات فكانت تلك إحدى سقطات "المنظمين".
بدأت عملية الاقتراع وانتهت في مجملها بعد ما يربو على 24 ساعة من موعد الاقتراع، فكانت سقطات اللجنة بينة في كل ركن من أركان موريتانيا، حيث انتهت شكليات التصويت في مكاتب معينة و أغلقت مكاتب أخرى بسبب تعب أعضاء اللجنة وتواصلت اللعنات على "الوليدة" حتى وصل بها الأمر ـ وهي "المستَغلة" لا "المستقلة" ـ إلى أن مارست أبشع أنواع التزوير حيث منحت أصواتا لغائبين وزادت عدد المصوتين على عدد المسجلين و أكثرت من التقرب للدولة وهي التي لم تعرف سواها في صباها الذي طال نسبيا، وحتى الساعة لم تعلن إلا مقاطعتين.
اللجنة "المستَغلة" هي هذه اللجنة التي نظمت الانتخابات في موريتانيا، هي ذاتها لا تعرف من أين تبدأ ولا أين تنتهي لا ملامح واضحة لديها لأية عملية انتخابية، تعرف أن تأتمر بأمر الحاكم الذي يعرف أمر الوالي الذي يعرف أمر الوزير الذي لا يعرف سوى "أمر العزيز" الذي يعرف أن الانتخابات يجب أن تنظم وبس!!!
نظمت الانتخابات بالطريقة التي مرت بها لكن "المستغلة" لن تملك ـ وإن كانت في لهجاتنا المحلية إمكانية إبدال القاف غينا ـ حق أن تكون "مستقلة" إلا إذا حبل بها من جديد وولدت كاملة لا "خداجا" ولم تتربى في كنف "العزيز"، وعاشت من الضر ما لم تعشه من الانتفاع، وقبل ذلك ستبقى بأفصح لغات العرب "مستغلة" لا تصلح إلا لأن تحلب في كل مكان.
الدو ولد سلمان