أخذت الحكومات الغربية وبخاصة فرنسا المستهدف الأول وحكومات دول الساحل مأخذ الجد ما ورد في التهديدات التي وجهّها مؤخراً تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي والمتعلقة بعزمه شنّ هجمات على شركات غربية في شمال وغرب إفريقيا و.ذلك ما أكدته تحليلات خص بها «القدس العربي»، ديبلوماسيون غربيون عاملون في نواكشوط وباماكو.
وأكد هؤلاء الديبلوماسيون في توضيحاتهم الخاصة «أن إدارات استخبارات وقيادات أركان الجيوش في فرنسا ودول الساحل، بدأت بعد إذاعة بيان المنابذة، اجتماعات وتنسيقات واتصالات، كما رفعت حالة الاستنفار في سفاراتها وعلى مستوى قواعدها وشركاتها، وأصدرت توصيات لرعاياها المسافرين إلى المنطقة، بلزوم الحذر التام».
وكان التنظيم قد وصف في بيانه هذه الشركات والمؤسسات بأنّها «أهداف مشروعة»، وحثّ المسلمين على مقاطعتها.
وأشارت المصادر ذاتها إلى «أنه مما أثار قلق الحكومات، تأكيد التنظيم أن بيانه منابذة لكلّ الشركات والمؤسسات الغربية، وبدرجة أولى الفرنسية منها، العاملة في المغرب الإسلامي (من ليبيا إلى موريتانيا)، وفي منطقة الساحل، وإخطاراً لها بأنّها هدف مشروع للمجاهدين».
كما أثار قلق الحكومات قول قيادة التنظيم «قررنا أن نضرب العمق الذي يحافظ على استمرارية هذه الحكومات العميلة، ويمكّن المحتل الفرنسي من توفير رغد العيش والرخاء لشعبه».
واختلفت تحليلات المختصين لبيان التهديد، حيث أكد وسيم نصر الصحافي الخبير في الجماعات الجهادية في قناة «فرانس 24» الفرنسية «أن تنظيم القاعدة قرر الهجوم على جميع الشركات والمؤسسات الغربية وبخاصة الفرنسية، داعيا المسلمين العاملين فيها وبخاصة المدنيين للبقاء بعيدا عنها».
وأضاف: «هذه طريقة جديدة خارجة عن النداءات المألوفة لدى أيمن الظاهري رئيس التنظيم، وهو ما يؤكد حدوث تغيير في الأسلوب يجب أخذه بعين الاعتبار».
أما محمد محمود أبو المعالي المحلل الخبير بقضايا الإرهاب في الساحل، فقد ركز تحليله للبيان على قياس مدى تأثر موريتانيا بهذه التهديدات، مؤكداً «أن البيان ذكر موريتانيا بالاسم في معرض حديثه عن دول المغرب العربي التي ستكون الشركات الفرنسية والغربية فيها هدفا لهجماته، فضلا عن كونها إحدى دول الساحل التي يشملها التهديد أيضا، وقد أثار هذا البيان أسئلة كثيرة لدى المراقب العادي حول إمكانية استهداف بعض الاستثمارات الغربية والفرنسية منها خصوصا، على الأراضي الموريتانية، وهل يشكل هذا التهديد بداية النهاية لحالة الهدوء التي عرفتها جبهة الحرب بين موريتانيا وتنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي منذ نهاية عام 2011».
«بقراءة أولية للبيان، يضيف أبو المعالي، يبدو للوهلة الأولى أنه من الحماقة الإعراض صفحاً عن أخذ هذا التهديد على محمل الجد، وأن ورود اسم موريتانيا فيه يحول دون إخراجها تلقائيا من قائمة الأهداف المفترضة في المستقبل القريب والمتوسط، غير أن نظرة متأنية للسياق الذي ورد فيه البيان، ومعطيات الساحة التي شكلت إرهاصات لميلاده، تجعل منطق التحليل الساعي للفهم العميق للأحداث، والمتكئ على معطيات الحاضر وأحداث الماضي القريب، ورؤية المعنيين للأمور على أرض الواقع، يميل إلى احتمالات أخرى، ترجح بقاء موريتانيا والمصالح الغربية على أراضيها خارج دائرة الاستهداف حتى الآن».
وهنا أعاد الخبير أبو المعالي للأذهان «أن قادة التنظيم صرحوا أكثر من مرة وفي أكثر من مقابلة أن استهداف موريتانيا سابقا وتنفيذ عمليات داخل أراضيها خلال الفترة ما بين 2005 و2011، لم يكن يعني أن موريتانيا وضعت بشكل رسمي ونهائي على قائمة الأهداف والأعداء المستهدفين بالحرب من طرف التنظيم، بل اعتبروا أن تلك العمليات ظلت رغم تكراراها، أحداثا استثنائية، ولأسباب تتعلق بسياق وقوعها».
وتابع يقول «بعد دخول تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي في تحالف مع جماعتي أنصار الدين والتوحيد والجهاد في غرب إفريقيا، سنة 2012 وسيطرتهم على شمال مالي وإحكام قبضتهم على كبريات المدن هناك، تغيرت استراتيجية التنظيم، وباتت قائمة الأعداء والأهداف تتحدد وفقا لمعايير أخرى غير المعايير السابقة، تحصر قائمة البلدان المستهدفة في المحاربين الجدد للتنظيمات «الجهادية» في شمال مالي، ثم أشفع قادة القاعد تلك المعايير بتصريحات مفادها أن لائحة حلفاء الحرب الفرنسية في مالي هي التي ستحدد قائمة الأهداف المستقبلية، وأن الحياد سيبذل لمن بذله، ومع انطلاق الحرب في كانون الثاني / يناير عام 2013، بدأت الدول المشاركة في الحرب تتلقى رسائل عملية تؤكد دخولها دائرة استهداف التنظيم (مالي، النيجر، بوركينافاسو، كوت ديفوار)، وذلك عبر هجمات ضربت أراضيها وعواصمها، وبقيت موريتانيا في مأمن من تلك الهجمات، نظرا لوجود قواتها خارج ساحة المواجهة في مالي، وقد شمل ذلك التأمين الغربيين والأجانب ومصالحهم على الأراضي الموريتانية، بعد أن تم استهدافهم سابقا (قتل الفرنسين قرب ألاك 2007، وقتل الأمريكي كريستوف لكيت في نواكشوط 2009، واختطاف الاسبان على طريق نواذيبو 2009، واختطاف إيطالي وزوجته قرب باسكنو 2009)».
وأكد الخبير أبو المعالي «أن تأسيس مجموعة دول الساحل الخمس، لم تغير الموقف الموريتاني
من المهمة المسندة لهذه القوة وهو الموقف المرتكز، عكسا لما تراه فرنسا والدول الأخرى، على أن مهمة قوة الساحل المشتركة هي تعزيز أمن الحدود المشتركة من طرف جيوش دول المنطقة، وتعزيز التعاون العسكري ، وأن الخروج من الورطة يمر أولاً بحل الإشكالات الداخلية للبلدان المعنية خصوصا جمهورية مالي، التي تشكل بؤرة التوتر ومصدر الحاضنة الشعبية الحقيقية للجماعات المستهدفة، وأي حرب إقليمية أو دولية هناك، قبل تسوية الأوضاع الداخلية، تعني حشراً للأنف في أزمة تواجهها جمهورية مالي مع مجموعات من سكانها، لاعتبارات عرقية أو جغرافية، وبالتالي ستكون المشاركة الميدانية تورطا في شأن مالي داخلي، وسيلاقي أي عمل عسكري وأمني مشترك هناك في هذه الظروف، ذات المصير الذي آل إليه عمل القوات الفرنسية والدولية، التي قادت حربا ضروسا أدت اليوم إلى تعقيد الأوضاع أكثر من سابق عهدها، وتوسيع دائرة العنف».
«وانطلاقاً من ذلك يمكن القول، يضيف الخبير أبو المعالي، أن حالة المتاركة (عدم الاعتداء) التي اتسمت بها العلاقة بين موريتانيا وتنظيم القاعدة خلال السنوات الماضية، لم يقم ما يبرر انهيارها، أو تخلي أحد الأطراف عنها، وهي متاركة ولدت حين تزامنت تصريحات قادة التنظيم بعزمهم تحييد البلدان التي لا تشارك في حربهم عن قائمة أهدافها المحتملة، مع قرار الحكومة الموريتانية الامتناع عن إرسال قواتها إلى مالي، ورفض المشاركة في الحرب الفرنسية هناك لاعتبارات تخصها».
القدس العربي