بدءا لابد من إعادة القول بأني لستُ من أولئك الذين يجهدون أنفسهم في البحث عن تفسيرات و تأويلات لمثل هذه التعديلات والترقيعات التي تشهدها الحكومة من حين لآخر، وذلك لاعتقادي بأن تلك التعديلات والترقيعات لا يمكن تفسيرها بعيدا عن "المزاج السامي" لسيادته، ولا عن تلقابات ذلك المزاج الذي لا يمكن تفسير تقلباته وفق منطق سليم، إلا أني ورغم تلك القناعة، فقد ارتأيتُ أن أشارك في التعليقات التي أثارها التعديل الأخير،
وذلك من خلال تقديم بعض الملاحظات السريعة.
(1)
من الواضح أن فشل الوزراء في قطاعاتهم ليس هو السبب في إقالتهم، ولو كان للفشل وسوء الأداء علاقة بالإقالة، لتمت إقالة كل من :
ـ وزير الصحة الذي شهد قطاعه أزمة غير مسبوقة بسبب الإضراب الشامل للأطباء.
ـ وزيرة البيطرة التي فشلت وزارتها في التعامل مع كارثة الجفاف..بالمناسبة هناك من يقول بأن العلف لم تنخفض أسعاره رغم مرور 10 أيام على إلغاء الرسوم الجمركية عن العلف المستورد.
ـ وزير الداخلية الذي فشل في مواجهة الانفلات الأمني، والذي لا يزال قطاع الأمن التابع له عاجز عن توقيف منفذي عملية السطو التي جرت في ضحى النهار وفي حي شعبي غير بعيد من مكان كانت تجرى فيها تدريبات لعناصر من الدرك للتدخل السريع في الأماكن المغلقة!
بالمناسبة هل ما زال مدير الأمن منشغلا عن الأمن بجمع أكبر عدد من الوحدات الحزبية في لبراكنة، وهل ما زال غيره من الجنرالات وكبار الضباط منشغلا عن قطاعاته بجمع الوحدات الحزبية؟
ـ وزير الاقتصاد والمالية الذي ضيق على الناس في أرزاقهم وذلك رغم ما يُقال عن رغد العيش الذي يمنحه لنفسه من خلال الصندوق الأسود ومن خلال 25 مليون أوقية التي تحدث عنها نائب يحسب على الموالاة، ومع ذلك لم نسمع بأي تحقيق برلماني حول الموضوع.
ـ وزير المياه الذي عانت المدن في عهده من عطش شديد، كما عانت من قبله ، ويكفي أن القصر الرئاسي قد شهد خلال اجتماع الوزراء الماضي ثلاث وقفات تندد بالعطش الذي تعاني منه ثلاث مدن كبرى : لعيون؛ كيفة؛ تجكجة. نفس الشيء يمكن أن نقوله عن وزير الطاقة في ظل انقطاعات الكهرباء.
ـ وزير التعليم العالي الذي يمكن اعتباره وزير التعليم العالي الأسوأ أداء من بين كل الوزراء الذين تعاقبوا على هذه الوزارة خلال العقد الأخير.
بالمختصر المفيد لقد خرج في التعديل الأخير وزراء فاشلون لا خلاف على ذلك، ولكن لا خلاف أيضا على أنه بقي في الحكومة وزراء أكثر فشلا، ويكفي أن الوزير الأول قد بقي وزيرا أول لكي نتأكد بأن التعديل الأخير لا علاقة له ـ إطلاقا ـ بالفشل وسوء الأداء، ولا علاقة له أيضا بمصلحة المواطن.
(2)
البكاء قد يكون سببا في دخول الوزارة، ولكنه لا ينجي من الخروج منها. لقد دخل وزير الشباب والرياضة ووزيرة المرأة في الحكومة في تعديل أعلن عنه في بداية العام 2017، وكان كل واحد منهما قد فاضت عيناه بالدمع علنا لا خفية، وأمام الكاميرا، فالوزير المعين قد بكى ذات مهرجان من مهرجانات شرح خطاب الرئيس في النعمة، والوزيرة قد بكت ذات نقاش في الجمعية الوطنية. اليوم يخرج الوزيران معا من الحكومة، كما دخلاها معا، ولا يجمع بينهما إلا أنهما قد اشتركا في البكاء، وقد اشتركا في الدخول المتزامن من الحكومة وفي الخروج المتزامن منها.
(3)
ربما يكون التعيين الوحيد اللافت في التعديل الوزاري الأخير هو تعيين المبعوث الأممي السابق إلى اليمن وزيرا للخارجية، فالرجل لاشك أن كفاءته وخبرته تؤهلانه لهذا المنصب الوزاري، حتى وإن كان قد فشل فشلا ذريعا في مهمته في اليمن.
لقد زهد الرجل في منصب دولي قد يكون أهم من الناحية المعنوية والمادية من منصب وزير خارجية في حكومة ولد حدمين، فهل لزهده في المنصب الأممي وقبوله لدخول حكومة ولد حدمين وزيرا للخارجية علاقة ما بترتيبات 2019؟
من الصعب جدا تقديم جواب على ذلك السؤال، وما يمكن قوله هنا هو أن الوزير الجديد سيركز في هذه المرحلة على نجاح القمة الإفريقية التي ستنعقد في بلادنا. ومن اللافت هنا أن هذا التعديل قد أسقط الوزارة المنتدبة المكلفة بالشؤون الإفريقية قبيل انعقاد هذه القمة!
(4)
سجل الوزير الأول نقطة بخروج الوزير اسلكو ولد إيزيدبيه من الحكومة، وسجل نقطة أخرى بخروج وزراء محسوبين على رئيس الحزب من الحكومة، وسجل نقطة ثمينة بمجرد بقائه وزيرا أول رغم سوء أدائه كوزير أول. هذا من جهة المكاسب، ولكن أيضا ذلك لا يعني بأن الوزير الأول لم يخسر في هذا التعديل عدة نقاط تتعلق ببقاء وزير الاقتصاد والمالية وباستقدام وزير خارجية بحجم ولد الشيخ أحمد.
(5)
فشل الوزير الناطق الرسمي باسم الحكومة بأن يكون ناطقا جيدا باسم الحكومة، وكثيرا ما ارتكب هفوات وأخطاء كبيرة خلال نطقه باسم الحكومة ولكن على الرغم من ذلك فقد اقتطع له التعديل الأخير وزارة أخرى ألحقت بوزارته ربما مكافأة على فشله. وزارة الثقافة والنطق باسم الحكومة شهدت خلال هذا العهد تذبذبا كبيرا في تسميتها وربما تكون هي الوزارة الأكثر تذبذبا وتقلبا، ولذا فإني اقترح تسميتها بوزارة القطاعات المتغيرة أو بوزارة الأسماء المتغيرة.
يبقى أن أقول بأن مصلحة المواطن هي الغائب الأبرز في هذا التعديل، كما كانت غائبة في كل التعديلات التي سبقته.