يواجه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ولأول مرة منذ وصوله إلى الحكم قبل 16 عاماً معارضة شرسة ومنظمة تعمل على مراقبة جميع تحركاته وتصريحاته وتتصيد له الأخطاء والهفوات بشكل غير مسبوق في محاولة منها لإضعاف مكانته الجماهيرية وإنهاء حقبة حكم العدالة والتنمية.
وطوال السنوات الـ16الماضية والتي شهدت سلسلة طويلة من الهزائم للمعارضة في الانتخابات المحلية والبرلمانية والرئاسية اتسم أداء حزب الشعب الجمهوري أكبر أحزاب المعارضة بالضعف والارتباك والابتعاد عن احتياجات وهموم الشارع التركي ما ولد انتقادات كبيرة لزعيم الحزب كمال كليتشدار أوغلو المتهم بضعف الأداء والشخصية والفشل في إقناع الشارع التركي.
لكن وبمجرد تسمية الحزب للنائب محرم إنجي مرشحاً له للانتخابات الرئاسية، ورغم استخفاف أردوغان وحزب العدالة والتنمية فيه في البدايات، إلا أنه بات اليوم يشكل إزعاجاً كبيراً لهم بسبب نشاطه والتجمعات الجماهيرية الكبيرة التي يعقدها ويلقي فيها خطابات يومية بأسلوب جديد لم يعهد الحزب طريقة مواجهته، كل ذلك إلى جانب التنظيم والتطور الكبير التي شهدته الحملات الإلكترونية للمعارضة على مواقع التواصل الاجتماعي عقب ترشيح إنجي للرئاسة. وعلى غرار ما يفعل أردوغان، يعقد إنجي منذ الإعلان عن تسميته مرشحاً للانتخابات الرئاسية قبيل أسابيع تجمعات جماهيرية يومية وأحياناً يتنقل بين أكثر من محافظة في اليوم الواحد في مسعى للوصول إلى المحافظات التركية الـ81، وهو ما لم يكن يقوم به كمال كليتشدار أوغلو زعيم الحزب.
وفي محاولة لمواجهة التقنيات المتقدمة التي يستخدمها أردوغان، بات إنجي يعتمد على عرض مقاطع فيديو عبر شاشة ضخمة يستخدمها في حملته الانتخابية، إلى جانب عرض أرشيف من الصحف ووسائل الإعلام وتبسيط الأرقام والإحصائيات، بالإضافة إلى عرض الخرائط والسلع لا سيما في سياق تركيزه على إظهار حجم المشاكل الاقتصادية التي تكبدتها تركيا بسبب سياسات أردوغان الاقتصادية الخاطئة، كما يقول. ويركز إنجي على تقديم أرقام وإحصائيات خاصة أو صادرة عن منظمات وهيئات دولية ومتخصصة لمواجهة الأرقام والإحصائيات التي يقدمها أردوغان في خطاباته اليومية، ويحاول بقوة اقناع الشارع التركي بأن هذه الإحصائيات «إما غير دقيقة أو بها تضليل للشارع التركي».
وعلى الجانب الآخر، وفي الساحة الأعنف للمنافسة بين أقوى مرشحين للانتخابات الرئيسية، تشهد مواقع التواصل الاجتماعي معارك يومية بين أنصار أردوغان ومنبج، حيث يواجه أردوغان الذي يمتلك جيشاً إلكترونياً بقي الأقوى في تركيا على مدار الـ16 عاماً الماضية يواجه فريقاً متخصصاً من مساعي وأنصار إنجي قدموا أداءاً غير مسبوق في الأيام الأخيرة.
وعلى فيسبوك وتويتر، تجد عشرات مقاطع الفيديو التي يتم إعدادها ونشرها بشكل يومي، وتهدف إما إلى تقييد أرقام أو خطابات لأردوغان، أو اقتناص أخطاء وهفوات، او كشف تصريحات سابقة وربطها بتصريحات حديثة لإطهار ما تقول المعارضة إنه «التناقض والتغير في مواقف أردوغان». ونجح إنجي في إثارة غضب أردوغان بشكل غير مسبوق عندما اتهمه بانه «ذهب إلى مكانة إقامة فتح الله غولن في ولاية بنسلفانيا الأمريكية للحصول منه على إذن من اجل تشكيل حزب العدالة والتنمية عام 2001»، وهو ما دفع أردوغان للرد عليه بشكل حاد واتهامه بالكذب قبيل رفع دعوى قضائية بحقه. وعممت المعارضة على نطاق واسع مقطع فيديو لقائد الجيش التركي الثاني إسماعيل متين تمل وهو يصفق لأردوغان عندما هاجم إنجي على هامش مشاركته في إفطار جماعي، الأمر الذي اعتبرته المعارضة انحرافاً عن حيادية الجيش وتسييساً له، وتعهد إنجي بسحب الرتب العسكرية من قائد الجيش الثاني في حال فوزه بالانتخابات، وهو ما أغضب أردوغان الذي دافع عن «تمل» بقوة وقال إنه لن يسمح بالمساس به أو برتبه العسكرية. وبعدما أعلن أردوغان قبل أيام أن برنامجه الانتخابي يشمل بناء «مركز قراءة» للطلاب الأتراك في جميع أنحاء تركيا سوف يوزع فيها «الكيك والشاي مجاناً»، استغلت المعارضة هذه التصريحات ونظمت حملة واسعة لاتهام الرئيس التركي بمحاولة الحصول على أصوات الناخبين مقابل «كيك وشاي مجاني»، وهو ما دفع أردوغان إلى التأكيد على أنه لم يقصد ذلك.
كما تحاول المعارضة هز ثقة الشارع التركي بأردوغان من خلال الحديث عن تراجع وضعه الصحي وأنه بات يشعر بالتعب والإرهاق، وفي هذا الإطار نشرت فيديوهات قالت إنها تثبت أن أردوغان يستخدم لوحة إلكترونية لقراءة خطاباته الجماهيرية، كما انتشر على نطاق واسع مقطع فيديو لأردوغان وقد ظهر صوت سماعة الأذن على الشاشة خلال برنامج تلفزيوني، تقول المعارضة إنه دليل على أن أردوغان يتلقى المعلومات من مساعديه وأنه لم يعد قادراً على الخطابة وذكر الأرقام بنفس المستوى السابق، وهو ما ينفيه أنصاره بقوة. وبعدما قال أردوغان إنه تلقى تعليمه الأساسي في المدارس التي كانت تحتوي على 75 طالباً في الفصل الواحد وذلك إبان حقبة الحزب الواحد، نشرت المعارضة مقاطع فيديو تقول إن حقبة الحزب الواحد انتهت في تركيا قبيل ولادة أردوغان بأربع سنوات على الأقل. وتُجمع استطلاعات الرأي على أن محرم إنجي سوف يكون المرشح الذي سيحصل على أعلى نسبة من أصوات الناخبين بعد أردوغان، وتشير الاستطلاعات إلى ان نسبة تأييد إنجي ارتفعت من متوسط 22% في بداية الإعلان عن اسمه مرشحاً للانتخابات الرئاسية إلى حدود 28 إلى 30% من الأصوات في الأيام الأخيرة.
ويأمل إنجي الذي يبدي ثقة كبيرة في الإطاحة بأردوغان، يأمل بان يتمكن من جر الانتخابات الرئاسية إلى جولة ثانية يحصل فيها على دعم باقي تكتلات المعارضة التركية والحصول على نسبة أعلى من الأصوات تمكنه من قلب الموازين والوصول إلى كرسي الرئاسة الذي ما زال أقرب لأردوغان.
«القدس العربي»