أجمع خبراء ومختصون في الشأن الافريقي، أن موريتانيا والسنغال أصبحتا مجبرتين على فتح صفحة جديدة في علاقاتهما الثنائية، بغية استغلال حقل غاز مشترك مكتشف في المحيط الأطلسي على الحدود البحرية للبلدين.
وفي فبراير/شباط الماضي وقع البلدان اتفاقية لاستغلال حقل غاز «السلحفاة/ أحميم الكبير» المشترك على حدودهما البحرية، حيث يتوقع أن يبدأ الإنتاج في الحقل فعلياً عام 2021.
ويعدّ حقل السلحفاة أهم اكتشاف للغاز بالنسبة للبلدين، وتقدر شركة «كوسموس» التي اكتشفته، وشريكتها في استغلاله «بي پي»، احتياطاته بـ 25 ترليون قدم مكعب من الغاز.
وقد أعلن الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز، ونظيره السنغالي ماكي صال، في مؤتمر صحفي مشترك، في فبراير الماضي من نواكشوط، مضي بلديهما في فتح صفحة جديدة من العلاقات.
ويرى خبراء في الشأن الافريقي أن الاكتشافات الغازية على الحدود البحرية المشتركة لكل من موريتانيا والسنغال، ستساهم بشكل كبير في الوصول إلى مستوى من الهدوء في علاقات الجارين المتوترة خلال المرحلة المقبلة.
ومن حين لآخر تشهد علاقات البلدين التي توصف بالمعقدة مداً وجزراً، بسبب ملفات الصيادين التقليديين، ومشكلات انتجاع (رعاية) الإبل الموريتانية في الأراضي السنغالية.
وكانت السنوات من 1989 إلى 1991 الأكثر صعوبة في تاريخ علاقات البلدين، حيث شهدت توترا وصدامات عرقية، جراء نزاع بين مزارعين سنغاليين ورعاة أبل موريتانيين، أدّى إلى تهجير قسري لرعايا البلدين.
وفي 27 كانون الثاني/يناير الماضي، أطلقت دورية من خفر السواحل الموريتانية، النار على قارب صيد سنغالي أثناء وجوده في مياهها الإقليمية، ما تسبب بمقتل أحد الصيادين على متنه، وتوقيف البقية، وعددهم ثمانية، قبل أن تفرج عنهم السلطات الموريتانية، بعد نحو أسبوع.
وعلى خلفية واقعة مقتل الصياد، اندلعت أعمال حرق لمحلات تجارية تعود لمواطنين موريتانيين في السنغال، قبل أن يدعو أئمة من البلدين في 4 شباط/فبراير الماضي حكومتي نواكشوط وداكار إلى العمل سريعاً لاحتواء الأزمة التي فجرها مقتل الصياد السنغالي.
وقتها قال الأئمة في بيان مشترك «الشعبان شقيقان بالروابط الدينية والاجتماعية والثقافية التي تربطهما منذ القدم»، محذّرين مما يسبب «القطيعة أو الإساءة إليهما».
ومنذ العام الماضي، تطبق موريتانيا قانوناً أصدرته عام 2012 يعتبر الصيد التقليدي حكراً على مواطنيها، ما يؤدي بين الحين والآخر لإعلان نواكشوط توقيفها صيادين سنغاليين.
الخلافات التاريخية
ويرى الخبير الموريتاني المختص في الشأن الافريقي، سيد أعمر ولد شيخنا، أن الاكتشافات الغازية على سواحل البلدين، ستجبرهما على ضبط علاقاتهما وتفادي كل ما من شأنه توتيرها.
ونبّه إلى أن هاجس عدم ثقة ظل حاضراً في العلاقات الثنائية منذ أحداث 1989 لكن المصالح المشتركة وعلى رأسها الغاز المكتشف، باتت تفرض على البلدين تناسي خلافتهما التاريخية.
وجهة النظر هذه يتبناها أيضا رئيس مركز الرواد للدراسات والترجمة والإعلام، محمد سعدنا ولد الطالب، والذي اعتبر ، أن المصالح المشتركة بين البلدين، مرشحة لدفعهما لطي صفحة الماضي.
كما اعتبر مدير معهد الدراسات والأبحاث العليا في بروكسل، محمد بدي ولد أبنو، أن الشركات التي تتولى استخراج الغاز المشترك ستكون شديدة الحذر على خلفية تاريخ العلاقات المتوترة بين موريتانيا والسنغال، وهو ما يفرض على البلدين التعاون لاستمرار تدفق إنتاج الحقل.
وأشار في محاضرة مساء الثلاثاء 19 حزيران/يونيو الماضي في نواكشوط، إلى أن العلاقات رغم ماضيها المضطرب المليء بالتوتر، إلّا أن الروابط الثقافية بين البلدين ستكون عنصراً إيجابياً في تفادي أي توتر في علاقاتهما مستقبلاً، خصوصاً إذا كانت المصالح المشتركة تفرض نوعاً من الهدوء على هذه العلاقة.
آفاق وتحديات
ورغم تأكيده أن الاكتشافات الغازية المشتركة، تفتح آفاقاً كبيرة لكل من موريتانيا والسنغال للحصول على موارد مالية تساهم في تنمية هذين البلدين الفقيرين، يشدد الخبير المختص في الشأن الافريقي سيد أعمر ولد شيخنا، أن هذه الاكتشافات تثير تحديات كثيرة، منها أنها تقع في موقع استراتيجي حساس قريب من السواحل الأمريكية والأوروبية.
ولفت إلى أن هذا الموقع رغم أنه مفيد للشركات المستغلة نظراً لقلة تكلفة التسويق لقرب الأسواق العالمية، إلى أنه قد يتحول إلى نقمة بالنسبة للبلدين (موريتانيا والسنغال) لما سيجره من أطماع الدول الكبرى وتكالبها على المنطقة.
وأشار في هذا الخصوص إلى مقولة الناشطة الكينية الحاصلة على جائزة نوبل، وانغاري ماثاي (1940- 2011) في كتابها: «افريقيا والتحدي» والتي تحدثت فيها أن افريقيا بحاجة لكرسي ثلاثي الأرجل، الرجل الأولى تمثلها الديمقراطية لما لها من أهمية، والرجل الثانية تمثلها الإدارة المسؤولة والمستدامة للموارد الطبيعية، والثالثة هي تعزيز ثقافات السلام.
وأضاف: «عندما تغيب الديمقراطية في البلدان النفطية أو الغازية يتحول المواطنون إلى زبائن، ويصبح الحاكم متصرفا في ميزانية ضخمة ومغلقة وهذا يفسد الدول».
وشدد على أن غياب الديمقراطية وأطماع الدول الكبرى، والفساد، ستكون تحديات كبيرة على موريتانيا والسنغال، العمل من أجل التعامل معها قبل بدء تصدير الغاز بشكل رسمي.
وأشار إلى أن البلدين سيواجهان أيضاً تحديات تنمية المجتمع المدني وتكريس الحريات وثقافات السلام، من أجل تعايش دائم ومستمر وخلق أجواء هادئة تمكن من الاستفادة الأمثل للموارد الجديدة.
وأكد رئيس مركز الرواد للدراسات والترجمة والإعلام محمد سعدنا ولد الطالب، أن أبرز تحدٍ على البلدين الاستعداد له في الفترة المقبلة سيكون التحدي الأمني، لافتاً إلى أن تحسن ظروف البلدين سترافقه موجة هجرة لآلاف الافارقة الباحثين عن حياة أفضل.
كما أكد على ضرورة إعداد خطة سريعة لتأهيل الكادر البشري وتعزيز الديمقراطية، فيما بيّن أن حجم الأرقام المعلن عنها وتوقعات الشركات باكتشافات جديدة على سواحل البلدين، يؤكد أن آفاق سوق الغاز والنفط ستكون واعدة.
نواكشوط: محمد البكاي (الاناضول)