مع أن غبار السياسة ودخان التحضير لانتخابات أيلول/ سبتمبر يغطي البلد بشكل يجعل الرؤية في حدها الأدنى، فقد بدأ الموريتانيون (مسلمون مالكيّو المذهب كلهم)، اندفاعهم نحو أسواق المواشي لاقتناء كبش العيد.
فقد أعلنت لجنة مراقبة الأهلة، أمس، أن عيد الأضحى أو «العيد الكبير» كما يسمى هنا، سيصادف يوم الثلاثاء المقبل، وهو ما يوجب على الجميع المبادرة للتحضير لهذا اليوم العظيم في التقاليد الدينية المحلية.
ويحرص الموريتانيون وجيرانهم السنغاليون على اقتناء الأكباش في عيد الأضحى والتفاخر بها، وبقدر ما كان كبش الأضحية ضخمًا طويل القرون وتام الصورة أبيض اللون، بقدر ما كان لصاحبه مكانة عظيمة يوم العيد، وكذلك بقدر ما كان مركبه يوم القيامة عظيمًا وموكبه في الآخرة ضخمًا.
وإذا كان الموريتانيون يشترون أضاحيهم قبل العيد بيوم أو يومين فإن من السنغاليين من يشترون خروفًا صغيرًا ويتولون على مدار السنة تربيته بالعناية والسهر على تسمينه وربطه داخل المنزل إلى يوم العيد.
ويسود الاعتقاد بأن الكبش المربوط بالمنزل يحفظ أفراد الأسرة من العين لأن سموم عيون الزائرين سيمتصها الخروف عند الدخول بلون الأبيض الناصع وبقرونه التي تتحدى الزمن.
ويتولى صاحب الأضحية العناية بتربية أضحيته ومنهم من يخصص لها كل أسبوع حمامًا بالصابون، أما يوم العيد فإن الأضحية تعطر لكونها مقدمة لفداء نبي الله إسماعيل.
ويعتقد الكثيرون، نقلًا عن آثار نبوية، أن الأضاحي التي يتقرب بها إلى الله تعالى هي مطايا أهلها يوم القيامة، ويردد الكثيرون قول الرسول عليه السلام «عظموا ضحاياكم فإنها على الصراط مطاياكم».
ويتنافس باعة المواشي كل حسب مهارته وخبرته، ويصاب الزبناء المشترون بالإرهاق والإجهاد بسبب التجوال من سوق إلى سوق ومن قطيع إلى قطيع.
فقد تضافرت عوامل عدة هذه السنة لرفع أسعار الخِراف في الأسواق الموريتانية أولها تأخر موسم الأمطار، وثانيها طلب الحكومة السنغالية من نظيرتها الموريتانية تصدير 100 ألف خروف إلى أسواقها وهو ما رفع سعر الخروف من 190 دولارًا إلى 350 دولارًا.
واختار باعة المواشي الموريتانيون العبور بقطعانهم إلى أسواق السنغال لبيعها رابحة بأضعاف أسعارها في موريتانيا.
وتتفاضل الخراف في الأسواق الموريتانية، وأغلاها أكباش «أزواد» التي يصل سعر الواحد منها 500 دولار أمريكي، وأكباش قبيلة «الطوابير» التي يصل سعر الواحد منها 600 دولار.
ولترسخ عادات الحرص على اقتناء وذبح الأضحية ترتفع أسعار الخراف في أسواق المواشي على مستوى العاصمة نواكشوط التي تنقل إليها آلاف الأكباش من قرى الداخل، أما الأسعار في المدن الداخلية القريبة من مراكز تنمية المواشي فالأسعار فيها معقولة.
وحسب ما لاحظه مندوب «القدس العربي» خلال جولة له في أسواق المواشي جنوب العاصمة نواكشوط أمس، فإن أسعار الأضحية الجيدة حسب المواصفات يصل إلى 100 ألف أوقية موريتانية (حوالي 280 دولارًا).
يقول سيدي محمود الشيخ: «لا بد لي من أشتري أضحية، ولا أريد الرديئة، بل السمينة، لكن سعر الأضحية يساوي مبلغ راتبي لشهر ونصف».
أما البائع سعدنا ولد بابا، فيدافع عن الأسعار ويؤكد أن «الخراف تستجلب من مكان بعيد وينفق عليها الكثير».
ويفضل السنغاليون خراف موريتانيا لكونها أضخم من خرفان السنغال الصغيرة، وهم يبذلون الغالي والنفيس للحصول عليها.
أما يوم العيد فيذبح المضحون خرافهم وتبدأ أدخنة الشواء تنبعث من المنازل، فالكل يسلخ لنفسه ويشوي لنفسه، فليس هناك في يوم العيد عمال يتولون هذه المهام، إذ إن الجميع في أجواء العيد بعيدًا عن مواقع العمل.
ومن أغرب عادات الأفارقة في عيد الأضحى أن المضحين لا يأكلون يوم العيد سوى المصارين والكروش، أما بقية اللحم فيمنع أكله قبل اليوم الثاني للعيد، ولهؤلاء في هذه العادة تجارب كثيرة منها أن أكل المصارين يوم العيد يورث طول العمر وصحة البدن.
ويصوم المضحون في موريتانيا صباح يوم العيد حتى تذبح الأضاحي فيفطرون وقت الضحى على قطعة من الكبد؛ ويؤكد الفقهاء أن صوم هذه الفترة القليلة من صبيحة يوم العيد يعادل صيام ستة آلاف سنة.
هكذا بدت أجواء ما قبل عيد الأضحى في موريتانيا والسنغال، وهكذا يختلط الدين في هذه المناسبة، بالتجارب العجيبة والعادات الغريبة.
القدس العربي