كم عدد الذين ما زالوا يؤمنون بالوطنية الحقيقية في عالمنا العربي؟ ألم تصبح الوطنية كلمة جوفاء، وفي أحيان كثيرة مثاراً للسخرية والتهكم والضحك لكثرة ما استخدمتها الأنظمة والحكومات والحكام الوطنجيون للضحك بها على الشعوب واستغلالها باسم الوطن والوطنية؟ كم من المتاجرات والجرائم ترتكب باسم الوطن، والوطن منها بريء براءة الذئب من دم يوسف. ما أسذج الذين يضحون بأرواحهم من أجل ما يسمى بالوطن، بينما في الحقيقة يذهبون برخص التراب فداء لتجار ومقاولين يتاجرون بالوطن والمواطنين.
ما أتعس الذين فقدوا فلذات أكبادهم في حروب خالوها وطنية، بينما كانت في الواقع من أجل الحفاظ على تجار الوطن ومصالحهم. فقط انظروا لحال الذين خسروا أحباءهم وهم الآن يتسولون لقمة الخبز، بينما لا تجد ذرية الشهداء المزعومين ما يسد رمقها. إن هؤلاء المغفلين الذين يصدقون كذبة الشهادة من أجل الوطن في هذا العالم العربي المباع يذكروننا بأولئك المضحوك عليهم ممن يسمون بالجهاديين الذين يصدقون كذبة الجهاد في سبيل الله، فيضحون بأنفسهم ظناً منهم أنهم سيذهبون إلى الجنة لملاقاة الحوريات، بينما هم في الواقع مجرد وقود لمعارك وحروب قذرة تقودها وكالات الاستخبارات العربية والدولية من أجل مصالح لها علاقة بكل شيء إلا بالله. وأتذكر ذات مرة سألت مسؤولاً عربياً فاجراً: لا أفهم هذا التحالف بينكم كحكومة علمانية فاقعة وبين جماعات إسلامية متطرفة.
ما هو المشترك بينكم كي تتعاونوا؟ فقال لي بسخرية صارخة حرفياً: «يا أخي هؤلاء الجهاديون يريدون أن يلاقوا الحوريات في السماء في أسرع وقت، ونحن نقوم بتسهيل المهمة لهم كي يقابلوا حورياتهم بأسرع ما يمكن».
وكذلك حال المغفلين ممن ما زالوا يموتون في سبيل الوطن في هذا العالم العربي الذي يؤمن بكل شيء إلا بالوطن والوطنية. كيف يمكن أن يكون الإنسان وطنياً في بلاد تحولت إلى مزارع خاصة؟ كيف يكون وطنياً إذا كان الحاكم في كثير من الأحيان يدير الوطن لأجل كفلائه في الخارج لا من أجل أهل الوطن؟ كم من الحكام الذين اختارتهم الشعوب لحكم بلدانهم، وكم الذين اختارهم ضباع العالم كي يكونوا وكلاء لهم في بلادنا؟ وهنا أريد أن أنقل رسالة متخيلة من شهيد عربي إلى أمه لاقت رواجاً كبيراً على مواقع التواصل.
في إحدى الحروب كتب أحد الجنود رسالة تم العثور عليها في ملابسه بعد مقتله يقول فيها:
إن مُتّ.. لا تصدقوا كل شيء، فإن قالت لكم أمي في برنامجٍ تلفزيونيٍّ سخيف: كان يتمنى الشهادة وكان يقول: ( نموت نموت ويحيى الوطن.. ) ،لا تصدقوها، فأنا لم أقل ذلك، وأنا مثلكم أحب الحياة ولا أتمنى أن أموت، لكنّ المذيعة ذاتَ الحُمرةِ الفاقعة أقنعتها أن تقول عني ذلك.
أما صديقي ذلك الذي حمّل صورة لي على صفحته في الفيسبوك و كتبَ شِعراً وهو يتغنى بِـ شهادتي حداداً…لا تصدقوه، فهو منافق كبير، وكم من المرات طلبت منه أن أستدين مبلغاً بسيطاً من المال، لكنه كان يتهرّب مني.
أما صاحب الفخامة.. فلا تصدقوه أبداً وهو يتغنّى بِـ روحي القتالية العالية و حبي للوطن في حفل التأبين، أترونَ طقمه الأنيقَ ذاك؟ لقد اشتراه من سرقة المعونات المخصصة لنا. نحن أبناء الفقراء بهذا البلد وقود للحروب التي هم يوقدونها. أما أبناء صاحب السيادة والفخامة فهم إما خارج البلد مترفون أو يتسكعون في «الكافيهات» والملاهي.
وهؤلاء الذين يطلقون الرصاص في الهواء بتشييع جثماني ترى من هم؟ لم أرهم أبداً في أي معركة؟
وكما أني لم أكنْ بطلاً كما يقولون ولا أعرف شيئاً عن البطولة أو شعارات حب الوطن والقائد، ولكن البندقيةِ إغواءً / كما النساء/ تستفزُّ الرجولةَ الحمقاء.
إن مُتّ.. برصاصٍ، أو بقذيفةٍ سقطت مصادفةً بقربي، أو إنْ مُتّ قهراً.. لا فرق.
لا تصدقوا سوى تنهيدةَ أمي عندما تكون وحيدة وانكسارَ أبي ودمعةً خفيفةً نبيلةً من حبيبةٍ لطالما وعدتُها أنْ أكونَ بخير. فلا نامت أعين الجبناء، ومن يتغنون بِـ نضالنا
لطالما سألت نفسي: لماذا فقط أبناء الفقراء هم الشهداء؟ وهم المدافعون؟ وهم لا يملكون متراً على هذه الارض، وتباع عليهم قبورهم؟؟ لماذا لم نسمع موت مسؤول؟ أو ابن مسؤول من أجل الوطن؟
؟فهل وجدتم الاجابة بعد موتي
أنا آسف يا وطني لم أمت لأجلك، ولكني مت لأجل لقمة العيش في وطن لم يوفر اقل متطلبات حياتي.
صدق من قال: الوطنية للفقراء والوطن للأغنياء.
٭ كاتب واعلامي سوري
[email protected]