لا شيء في موريتانيا أهم اليوم من التعرف على الشخص الذي ستتوحد خلفه المعارضة الموريتانية بل الذي ستتجمع حوله القوى الموريتانية الراغبة في التغيير والذي سيواجه في انتخابات يونيو القادم، الجنرال محمد ولد الغزواني، المرشح الوازن الذي اختاره الرئيس المنصرف محمد ولد عبد العزيز ليكرس بعده إدامة نظامه السياسي واستمرارية حكمه.
ومنذ عدة أشهر والمعارضة الموريتانية تسعى لاستكمال الولادة القيصرية لهذا المرشح حيث واجه اختياره قدرا كبيرا من العراقيل والحساسيات الداخلية.
وطرحت أسئلة عديدة حول مواصفات هذا المرشح خلال عشرات الاجتماعات التي عقدتها لجنة تعيينه التي شكلتها المعارضة في شهر سبتمبر الماضي؛ فما هي صفات هذا المرشح؟ وهل من الأفضل أن يكون حزبيا أم لا؟ وهل يستحسن اختياره من داخل المعارضة أم من خارجها؟
ومع أن المعارضة الموريتانية مجمعة على أهمية توحيد المرشح فإنها تضم في داخلها أصواتا تقول بأهمية تعدد الترشيحات لأن ذلك سيضمن شوط ثانيا، وأن المطلوب في هذه الحالة هو أن يتعهد مرشحو المعارضة بدعم من سيصل منهم إلى الشوط الثاني.
وبخصوص المعايير المطلوب توّفرها في “المرشح الموحّد” أو “الرئيسي”، فقد حددتها المعارضة في وثيقة سبتمبر 2018 وهي “أن يكون المرشح “جامعاً لأكبر عدد من الموريتانيين الراغبين في التغيير، مستوعباً لطموحات ومطالب جميع فئات وأعراق المجتمع، قادراً على المنافسة، مقنعا وملتزما ببناء دولة المؤسسات والقانون والمواطنة، يجسد برنامج التغيير الذي حملته المعارضة الديمقراطية منذ عقود من الزمن”.
وأضيفت لهذه المواصفات، صفة أخرى هي أن يكون هذا المرشح التوافقي مقنعا للشباب الموريتاني الذي يمثل نسبة تزيد على 70% من السكان، والذي يجب أن تعول عليه قوى التغيير في الانتخابات الرئاسية القادمة.
وعلى كل حال فالذي يحرص عليه الجميع اليوم هو الخروج بمرشح توافقي، يكون بمقدوره، حسب ما يؤكده قادة المنتدى المعارض، أن يهزم مرشح النظام، ويعيد قاطرة الديمقراطية لسكّتها.
“فالمعارضة الموريتانية، يقول الكاتب حنفي دهاه في مقاله الافتتاحي بصحيفة “تقدمي” المعارضة، إنما تستأنس في سعيها لتوحيد مرشحها بتجارب إفريقية، أسقط فيها” مرشح موحد “دكتاتوريات عاتية، كانت تكابر عوادي التغيير وصروف التناوب الديمقراطي على السلطة”.
ويضيف الكاتب: “إن اشتراط المعارضة في وثيقتها تجسيد التغيير الذي حملته المعارضة الموريتانية منذ عقود، كان العقبة في عدة ترشيحات، حاول أصحابها تمريرها عبر قناة المعارضة، التي لم يسبق أن سلكوها، و إن سلكوها فمكرهين غير أبطال، ومن ضمن هؤلاء المرشحين الوزير الأول الأسبق سيدي محمد ولد بوبكر، والوزير الأول السابق مولاي ولد محمد الأغظف، الذي حاولت بعض الأوساط، رغم حداثة عهده بقيادة سفينة نظام ولد عبد العزيز، أن تروّج لترشيح المعارضة له؛ أما السيناتور الشيخ ولد حننه، فقد احتجّ زملاؤه الشيوخ على إقصائه، محاججين بـ“بطولته التاريخية“ في إفشال تمرير التعديلات الدستورية، عبر غرفة الشيوخ، وهي ”الشفاعة“ التي وجدت آذانا صاغية، من طرف المنتدى المعارض، غير أن مصادر في اللجنة العليا لـ“تحالف المعارضة من أجل المرشح الموحد“ تؤكد عدم أخذ ترشحه بعين الاعتبار، بسبب شرط ”تجسيد التغيير“ الجوهري”.
وتنحصر الأسماء التي تجسد “التغيير” والقطيعة مع الماضي، والتي تميزّت بتاريخها في مقارعة الديكتاتورية والاستبداد، في كل من محمد ولد مولود (رئيس حزب اتحاد قوى التقدم)، ومحفوظ ولد بتاح (رئيس حزب اللقاء الديمقراطي)، وبيرام ولد الداه ولد اعبيدي (رئيس حركة “إيرا” الحقوقية، وهو مرشح حزب الصواب ذي الميول البعثية).
“في خضم البحث عن مرشح توافقي، يقول الكاتب دهاه، يمكنه أن يلّم شمل المعارضة على شعثه، تترك أحزابُ الزنوج الموريتانيين المُعارِضة الجواد وحيداً، وتقرر البحث عن مرشح من بني جلدتها، فتؤكد مصادر متطابقة أنها قد تكون بصدد الدفع بالسياسي صمب تيام رئيس حزب القوى التقدمية للتغيير في وغى الرئاسيات المقبلة”.
وأضاف: “كما تتحدث مصادر من داخل منتدى المعارضة عن خبو جذوة حماس حزب تكتل القوى الديمقراطية، الذي يبدو غير آبهٍ بنازلة “المرشح الموحد”، ويرى قيادي في المنتدى أن دعوة ولد داداه رئيس حزب التكتل في تصريح صحافي أخير للحوار، لا تخلو من ريبة، وقد يكون الهدف منها البحث عن حجة لمقاطعة الانتخابات القادمة، مؤكداً أن ما ينبغي البحث عنه في هذا الوقت هو “تفاهمات” وليس حواراً”.
هذا وتؤكد مصادر في المنتدى أن حزب “تواصل” (محسوب على الإخوان) والذي يعتبر أكبر أحزاب المعارضة الموريتانية، اشترط ضمنياً (وربما عبارة “اقترح” هي المناسبة) أن يتم اختيار “المرشح الموحد” من خارج أحزاب المعارضة وإن دار في أفلاكها، وقد عبّر جميل ولد منصور القيادي في حزب “تواصل” عن ذلك في تدوينة له، حيث رأى أنه ”من المرغوب فيه أن ترشح المعارضة شخصية منها أو من محيطها تقدم خطابها وتشرح برنامجها“، ربما في هذا الإطار اتصل الوزير الأول الأسبق سيدي محمد ولد بوبكر بقياديين في ”تواصل“، حيث أبدى رغبته في أن يكون مرشح ”المعارضة الموحد“، و رغم عدم وضوح رد ”تواصل“ على رغبة ولد بوبكر في تبنيها لترشحه، إلا أن نشطاء على شبكات التواصل محسوبين على الحزب لم يخفوا حماسهم له”.
يذكر أن تحالف المعارضة سبق له أن طالب في وثيقة سماها ”إعلان مبادئ في أفق رئاسيات 2019“، بـ”تهدئة الأوضاع، والعمل على خلق مناخ سياسي طبيعي“ وذلك من خلال ”الكف عن شيطنة المعارضة الديمقراطية، وعن قمع الحركات السلمية، والسجن التعسفي، ووقف المتابعات القضائية ضد المعارضين“، وذلك من أجل ”وضع الأسس السليمة لعملية انتخابية“ بأن تتم ”إعادة تشكيل اللجنة الانتخابية بصورة توافقية، وتخويلها كامل الصلاحيات والاستقلالية، ومنحها الوسائل المالية والتقنية والبشرية التي تمكنها من أداء مهمتها“، وكذلك ”إعداد الملف الانتخابي واللوائح الانتخابية بصورة توافقية وشفافة“ وأن يمنح الموريتانيون المقيمون في الخارج حقهم في التسجيل في هذه اللوائح“ وأن يضمن ”الحياد التام للدولة بجميع أجهزتها“ ويحترم ”قانون التعارض“، وعدم استخدام المال العام ووسائل الدولة وسلطتها وهيبتها“، ثم ”ضمان رقابة حقيقية ذات مصداقية وطنية ودولية تتابع المسلسل الانتخابي بجميع مراحله”.
القدس العربي