تُظهر جولة بسيطة في العاصمة الموريتانية، نواكشوط، سيطرة المرشح، محمد ولد الغزواني، على مختلف الحملات الانتخابية. حيث تنتشر في المدينة صور لوزير الدفاع السابق، الذي دفعت به السلطة الحاكمة لخوض انتخابات الرئاسة المقرر إجراؤها، في 22 من يونيو/ حزيران الجاري.
وفي حين كانت المشاركة خجولة في خيام معظم بقية المرشحين، بدت تجمعات مناصري ولد الغزواني الأضخم من حيث العدد.
وينظر إلى ولد الغزواني على أنه استمرار للحكم الحالي، إذ يقدّم على أنّه رفيق درب الرئيس المنتهية ولايته، محمد ولد عبد العزيز.
وقد شارك الرجلان في انقلاب أطاح عام 2005 بالرئيس، معاوية ولد سيدي أحمد الطايع، قبل أن يقودا انقلابا ثانيا عام 2008 أنهى ولاية، سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله، أول رئيس مدني منتخب في تاريخ البلاد.
وفي يناير/ كانون الثاني الماضي، قدّم المتحدث باسم الحكومة، سيدي محمد ولد امحم، والذي كان يتزعم حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم، ولد الغزواني كأفضل "خيار لاستمرارية هذا المشروع الوطني الرائد، مشروع الأمن والديمقراطية والتنمية الذي أسسه وقاده فخامة رئيس الجمهورية، السيد محمد ولد عبد العزيز".
"الجيش صانع قادة موريتانيا"
لكنّ المحلّل السياسي، محمد المأمون ولد البار، يرى أنّ "العسكري يبقى عسكريا وإن تخلّى عن بزّته"، مشيرا إلى أنّ الأمر "ليس سوى لعبة كراسي". ويقول ولد البار، في لقاء مع بي بي سي، إن "ولد الغزواني شخصية غير معروفة، سياسيا، وكتومة"، لكنه يعترف بنجاحه كقائد عسكري. ولا يخفي خشيته من "تأبيد حكم قادة عسكريين للبلاد".
فقد تقلد زمام الحكم في موريتانيا منذ استقلالها، عام 1960، عشرة رؤساء، اثنان منهم فقط مدنيان، أما الثمانية الباقون فهم قادة سابقون في الجيش، قدموا إلى الحكم في أعقاب انقلابات عسكرية.
أما أستاذ الفلسفة السياسية، البكاي ولد عبد المالك، يرى أن عوامل أخرى تجعل من "الجيش صانع قادة موريتانيا"، إذ يرى أنّ البلاد تفتقر للمقوّمات الاجتماعية التي تحصّن النظام السياسي من تدخّل جهات موازية للدولة في صنع القرار.
ويوضح ولد عبد المالك، أن موريتانيا لا تزال في "مرحلة ما قبل الدولة"، بالنظر إلى ثقل "القبيلة والطرق الصوفية"، إلى جانب "غياب دولة مركزية صلبة بالنظر إلى اتساع رقعة البلاد وترامي التجمعات السكنية فيها".
"ضمانات حكومية"
ويقول المتحدث باسم الحكومة الموريتانية، سيدي محمد ولد امحم، لبي بي سي إن "عهد الانقلابات قد ولّى وانتهى".
ويرى أنّ موريتانيا شهدت تغييرات هامة خلال فترة حكم محمد ولد العزيز، "خاصة على المستوى الأمني والاقتصادي"، معترفا بأنّ الطريق لا يزال طويلا، بالنظر لمؤشرات التنمية البشرية.
واعتبر ولد امحم، الذي يشغل أيضا منصب وزير الثقافة والصناعة التقليدية والعلاقات مع البرلمان، أن "البلاد تحتاج إلى استمرارية في الحكم"، مضيفا أن "استتباب الأمن هو الكفيل بمواصلة مسار التنمية".
وتوقّع تقرير للبنك الدولي، نشر في يناير/ كانون الثاني الماضي، أن تبلغ نسبة النمو الاقتصادي في موريتانيا، هذا العام، 4.9 في المئة، مقابل 3 في المئة، العام الماضي، على أن تواصل ارتفاعها، في 2020 لتقارب نسبة 7 في المئة.
إلا أن نسبة الفقر لا تزال في مستوى 31 في المئة من إجمالي السكان البالغ عددهم نحو أربعة ملايين نسمة.
"اعتراف دولي"
ويستشهد ولد امحم بتحوّل موريتانيا إلى شريك إقليمي هام في الحرب على الإرهاب، في منطقة الساحل الإفريقي، كدليل إضافي على أهمية إيجاد توازن بين الأمني والتنموي في قيادة البلاد، مذكّرا بأنّ البلاد "شهدت اضطرابات أمنية وصلت العاصمة نواكشوط قبل إعادة الاستقرار والمساعدة على تأمين دول الجوار".
واستفادت المؤسسة العسكرية في موريتانيا، من دعم أمريكي وفرنسي واسع خلال العقد الأخير، ساهم بشكل كبير في تثبيت أقدام السلطة الحاكمة، خاصة أنّ "دولا عدّة في المنطقة تشهد انهيارا تامّا"، على حدّ تعبير ولد امحم.
ولا يتوقّع أستاذ الفلسفة السياسية، البكاي ولد عبد المالك، تغييرا جذريا في المعادلة الموريتانية، بالنظر إلى ضرورة التوفيق بين نظام سياسي حديث في بيئة تقليدية.
ويذكر ولد عبد المالك أنّ شركاء موريتانيا التقليديين يعون جيّدا تعقيدات التركيبة الأفقية للمجتمع الموريتاني، في إشارة إلى الفوارق بين مختلف فئات المجتمع الاقتصادية والعرقية واللغوية.
كما يضيف أن هذا ما يجعل من المؤسسة العسكرية ضامنا حقيقيا للاستقرار في البلاد. لكنّه يستدرك بالإشارة إلى أنّ الجيش في حدّ ذاته يخضع لتأثيرات التركيبة الاجتماعية، "وهو ما يجعلني كباحث لا أخاطر بالقول إن عهد الانقلابات قد ولّى وانتهى".