موريتانيا: مقارنات وخيبة أمل كبيرة لتدني نسبة النجاح في البكالوريا

القدس العربي: عن السياسة وأوجاعها، ينشغل الموريتانيون وبخاصة معارضو النظام، هذه الأيام، بتدني النسبة العامة للناجحين في البكالوريا للعام الدراسي 2018/2019 التي لم تتجاوز 10%، حسب النتائج التي أعلنت أمس.
وتدوولت أمس، في مواقع التواصل الاجتماعي على نطاق واسع، نسب النجاح في مختلف شعب الثانوية العامة، مقرونة بانتقاد شديد للأداء الحكومي في مجال التعليم.
فلم تتجاوز نسبة الناجحين في شعبة الآداب العصرية 1.4% أي 99 ناجحاً من أصل 10.044 مترشحاً، كما لم ينجح سوى 521 مترشحاً في شعبة الآداب الأصلية من أصل 8209 مترشحاً أي بنسبة 7.20%.
أما نسبة الناجحين في شعبة العلوم الطبيعية، فقد بلغت 9.23% أي 2151 ناجحاً من أصل 24321 مترشحاً.
ولم ينجح في شعبة الرياضيات سوى 438 مترشحاً من أصل 1941، وهو ما يمثل 23.15%، حسب الأرقام المنقولة عن وزارة التعليم.
وازدادت خيبة الأمل عندما قام مدونو المعارضة، في مناقشتهم لقضية تدني النجاح في الثانوية العامة، بمقارنة نسبة النجاح الضعيفة في موريتانيا بنسب النجاح في دول المغرب العربي، حيث بلغت النسبة في الجزائر 56.07%، وفي المغرب 50.28%، وفي ليبيا التي تمر بأوضاع صعبة 43.36%;، وفي تونس 30% بينما لم تتجاوز نسبة النجاح في موريتانيا 10.7%.
وفي تحليل للأسباب، ذهب المدونون كل مذهب، حيث حمل أكثرهم حكومة الرئيس المنصرف محمد ولد عبد العزيز المسؤولية الكاملة عن هذا التدني.
وأكد الدكتور محمد ولد محفوظ، وهو أستاذ جامعي، «أن تدهور نسبة ناجحي الآداب العصريّة إلى هذا الحد المخيف أمر طبيعي، رغم أنّها مرتكز لقطاعات واسعة لا نهضة للدولة إلا بها، كالتعليم والثقافة والإعلام والدبلوماسية والاقتصاد والترجمة، ذلك أمر مفهوم بالنظر إلى الحرب التي أعلنها النظام عليها مع شقيقتها الآداب الأصلية، منذ تولّيه مقاليد الحكم في البلد، حتى عافها الأهل والتلاميذ وتمّ التشهير بها والتقليل من أهميتها، واعتبار باب التوظيف مغلقاً تماماً أمام حاملي شهاداتها، فهجرها من هو حفيّ بها ورضي بها من لا بديل له عنها، وفِي الأغلب لا يسعفه المستوى إلى درجة أنّ الكثيرين من الممتحنين فيها لا يتوفّرون على مستوى المرحلة الإعدادية، ومنهم من تخاله لا يملك المستوى الابتدائي، فكيف يحصل والحالة هذه على البكالوريا».
وقال: «هذا يُنبِئُك عن مدى الخَوَر الذي تشهده كل مفاصل ومحطات العملية التربوية برُمّتها».
وأضاف الدكتور محفوظ: «طبيعي أن تكون نسبة النجاح في هذه الشعبة على صعيد بعض الولايات صفراً، إذ لا وجود في الأغلب الأعم لمدرّسين من ذوي الخبرة والكفاءة هناك، وإنّما هؤلاء على قلّتهم أصلاً يمّموا وجوههم صوب نواكشوط، حيث تساعدهم مؤسسات التعليم الخاص على تحقيق أدنى مقومات الحياة في هذا العالم المادي الصارخ الذي يطحن بلا رحمة ذوي الأجور الضعيفة، ومنهم المدرّسون».
«لا بدّ أن تكون نسبة النجاح في هذه الشعبة بهذا المستوى الكارثي أيضاً، يضيف الكاتب، لأن الدولة أصبحت تعتمد في سياستها التعليمية منذ سنوات عديدة على العقدويين الذين لا كفاءة لهم ولا خبرة ولا تخصّص أحياناً، والقاعدة تقول بأنّ فاقد الشيء لا يعطيه، وإذا أضيفت إلى هذه التحديات مشكلات المنهج الدراسي وطريقة طرح الأسئلة في البكالوريا تعقّدت الأمور أكثر، إذ هناك اختلالات جوهرية في المنهج لها تأثيرها المباشر على هذه الحصيلة البائسة، ومن ذلك -على سبيل المثال- أنّ التلميذ في البكالوريا مطالب بتحليل النص الأدبي تحليلاً بنيوياً، وهو في الواقع لا يعلم شيئاً عن المنهج البنيوي ما دام ليس مقرّراً عليه، في الوقت الذي يدرُس مناهج أخرى هو في غنى عنها أو أهميّتها بالنسبة إليه أقل، كالمنهج النفسي والتاريخي والاجتماعي، ما يشكّل انفصاماً حاداً بين ما يدرسه التلميذ وما يمتحن فيه».
وزاد: «أما طريقة طرح الأسئلة فيحار العقل فيها أحياناً، هل يراد بها تجفيف منابع هذه الشعبة أو تعجيز التلاميذ، من ذلك ما يحصل دائماً، وحصل هذا العام في موضوع الفلسفة، حيث انقسم الأساتذة المختصّون بشكل حاد حول فهم أحد الأسئلة البارزة في الامتحان وطريقة الجواب عنه، فكيف سيكون حال التلاميذ في مثل هذه الحالة؟».
«وإذا تجاوزنا هذه المعضلات، يقول الكاتب، انتصبت أمامنا معضلة أخرى تتعلَق بالتصحيح، فليس الذين يتمّ اختيارهم للتصحيح دائماً من أفضل الموجود، بل هناك إهمال وزبونية لا يخفيان على ذي بصيرة، ففي حين يُغَيَّب عن التصحيح بعض قدماء المدرّسين ممّن خبروا المجال طويلاً ومارسوه أو يتمّ توجيههم إلى شعب أخرى ليست اللغة والأدب من موادّها الرئيسية، كالعلوم والرياضيات، مع الحاجة الماسّة إليهم في الشعبة الأدبية يُدفَع ببعض الخرّيجين ممن لا خبرة لهم ولا تجربة ومنهم من لا يعرف حتى طريقة التصحيح ليصحّحوا هذه الشعبة المختصة، وزيادة على ذلك تختلف درجة المسؤولية في التصحيح التزاماً وتلاعباً، دقّة وتساهلاً، بين مصحّح وآخر، وهذا يعني أن الوزارة لا تمتلك قاعدة بيانات ضرورية عن مدرّسيها وأقدميتهم وجدّيتهم في التصحيح، أو أنّها لا تهتمّ لذلك».
وأضاف: «تأتي بعد هذا مشكلة كبرى وهي اللغات الأجنبية (الفرنسية والإنگليزية)، فمن أكبر سلبيات الإصلاح الجديد الفشل الذريع في تدريس هذه اللغات للتلاميذ؛ فكثيراً ما يخرج التلميذ منها بعد اثنتي عشرة حِجَة خالي الوفاض، رغم أهميتها وخطورتها على صعيد الضارب ونسب النجاح في شعبة الآداب الحديثة بالذات، وهنا لا أكاد أبالغ إذا قلت إنّ الواحد بالمائة ترجمةٌ أمينة لمستويات التلاميذ في هذه اللغات تحديداً».
وخلص الكاتب إلى القول: «هذه محاولة سريعة لتشخيص جوهر الإشكال بالنسبة لشعبة الآداب الحديثة، ولا شك في أنّ السعي الجاد إلى الحل الناجع يقتضي غربلة كلّ هذه المشاكل الحادة والبحث لها عن الحلول المناسبة في أسرع وقت، وإلا فليس بعد الواحد إلا الصفر».