لا تزال الطريقة التي قتل فيها زعيم تنظيم الدولة أبو بكر البغدادي، ليلة السبت، مدار بحث وتكهنات وتنافس بين كل الأطراف الذين لديهم مصلحة في نهاية الزعيم الذي قاد “خلافة” استمرت خمسة أعوام تميزت بالعنف والقتل والدمار.
ويرى جوبي واريك وإلين ناكشيما ودان لاموث مراسلو صحيفة “واشنطن بوست” أن الوصول إلى زعيم التنظيم الهارب منذ سقوط آخر معقل له في الباغوز بداية العام الحالي جاء من خلال اختراق الحلقة الضيقة للبغدادي.
وتقول الصحيفة إن مخبراً منشقا عن التنظيم هو الذي قاد القوات الأمريكية الخاصة إلى مخبئه في قرية صغيرة في محافظة إدلب. ونقلت عن مسؤولين قولهم إن المنشق الذي تم التأكد منه والتحقيق معه لعدة أسابيع على يد المخابرات الأمريكية تم نقله وعائلته خارج سوريا بعد العملية مباشرة، وسيحصل على الجائزة الكبرى التي وضعتها الولايات المتحدة على رأس البغدادي وهي 25 مليون دولار.
وكان المنشق يعرف بمكان اختفاء البغدادي وغرفه الملجأ الذي نزل فيه غرفة بغرفة، وكانت معلوماته مهمة لعملية 26 تشرين الأول (أكتوبر) والتي أنهت حياة المطلوب الأول في العالم. وكان المخبر حاضرا أثناء الهجوم على مجمع البغدادي ونقل بعد يومين من العملية وعائلته خارج سوريا إلى مكان مجهول. وقال أحد المسؤولين إن المنشق هو عربي أدار ظهره لتنظيم الدولة بسبب مقتل أقاربه على يد مقاتليه، وأنه كان مؤتمنا لدرجة طلب منه نقل أفراد عائلة الزعيم وأطفاله لتلقي العلاج الطبي، وتم تجنيد المنشق على يد قوات سوريا الديمقراطية التي كانت تقاتل إلى جانب الأمريكيين تنظيم الدولة، وبعد ذلك سلموه إلى عملاء المخابرات الأمريكية الذين امتحنوه وتحققوا من مصداقيته والمعلومات التي قدمها لهم.
وتقول الصحيفة إن عملية الاختراق للتنظيم بدأت في الصيف إلا أن المعلومات التي قدمها المنشق بدأت تثمر في الشهر الماضي وقادت إلى تحديد مكان البغدادي. وقال مسؤول أمريكي مطلع: “لقد تم تقييمه ولوقت باعتباره الشخص الذي لديه مفتاح القفل” و”أصبح الأمر واضحا وجادا في الأسابيع القليلة الماضية”. وتحدثت صحيفة “واشنطن بوست” في تقرير سابق لها عن مساهمة ناشط حانق في تنظيم الدولة قاد إلى مكان اختباء البغدادي.
وفي يوم الإثنين أخبر قائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي شبكة “أن بي سي” أن واحدا من عملاء منظمته ساعد الأمريكيين على تحديد مكان البغدادي، وقال إنه تم أخذ ملابس داخلية له ليتم التحقق من حمضه النووي وأنه موجود في البناية. كل هذا رغم تأكيد البنتاغون أن العملية هي أمريكية خالصة ولم تتحدث لا هي أو البيت الأبيض عن وجود عميل في العملية التي قتلت البغدادي.
المُخبر، وهو عربي قتل تنظيم “الدولة” أقاربه، حققت معه المخابرات الأمريكية لعدة أسابيع وتم نقله وعائلته خارج سوريا بعد العملية مباشرة، وسيحصل على الجائزة الكبرى التي وضعتها واشنطن على رأس البغدادي وهي 25 مليون دولار
وقال رئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال مارك مايلي في رد على سؤال حول وجود شخص مرتبط بقوات سوريا الديمقراطية في العملية: “لا أريد التعليق حول ما حدث أو ما لم يحدث مع قوات سوريا الديمقراطية في الهدف” و”التحركات ضد الهدف والمقاتلات التي حضرت والمقاتلات التي حلقت في الأجواء والجنود كانت عملية أمريكية خالصة”.
وتضيف الصحيفة أن وصف العميل الذي قاد إلى مكان زعيم التنظيم جاء من مسؤول حالي في الإدارة وآخر سابق ومسؤول مقيم في الشرق الأوسط، وكلهم تحدثوا بشرط عدم الكشف عن هويتهم. وقال مسؤول إن العميل كان شخصا مؤتمنا في تسهيل حركة البغدادي وتوفير الأمور اللوجيستية وتحركه من بيت لآخر في إدلب قبل العثور على المجمع الذي لقي فيه حتفه. ووصف العميل بأنه مشارك التزم بالكشف عن مكان زعيم التنظيم بل وكان مشاركا متحمسا فيها وقدم كل المعلومات الشخصية الضرورية عن الإرهابي المنعزل بما في ذلك تحركه والحزام الناسف حول بطنه لكي يقتل نفسه لو حشر في الزاوية.
وتولى العملية عناصر دلتا والفوج 75 وذلك حسب تصريحات مسؤولين أمريكيين امتنعوا عن ذكر أسمائهم. وكانت معهم كلاب جيش مدربة لاحقت الزعيم وهو يحاول الهرب. وهاجمت القوات البيت بعد تبادل كثيف لإطلاق النار وحشروا البغدادي في نفق تحت البناية، وأخذ القيادي معه ثلاثة من أبنائه لاستخدامهم على ما يبدو كدرع بشرية. وفجر البغدادي حزامه بعدما لاحقه واحد من كلاب الجيش، ومات هو وأولاده الذين غطتهم الأنقاض بعد انهيار سقف النفق. وقتلت زوجتان من زوجاته في العملية أما الكلاب فعاشت.
ويقول المسؤولون الأمريكيون إنه تم التحقق من هوية ونية العميل بشكل دقيق حيث حاولت المخابرات تجنب ما حدث في خوست، أفغانستان، عام 2009 حيث وعد مخبر أردني بتقديم معلومات عن مكان اختباء زعيم القاعدة أسامة بن لادن وفجر نفسه حيث قتل معه أردنيا آخر وسبعة من عملاء سي أي إيه.
وقال مسؤول أمريكي إن العميل غير ولاءه لأنه “فقد الثقة” بتنظيم الدولة. ورغم مساعدته فقد تم تغيير وتأجيل عملية اغتيال البغدادي عدة مرات نظرا لتغير الظروف على الأرض. وأضاف المسؤول: “لا أتذكر كم مرة شعرنا فيها بأننا أمسكنا به” و”في الأشهر الأخيرة شعرنا أننا اقتربنا ولكننا لم نصل إليه إلا الشهر الماضي حيث قلنا هذه المرة حقيقية”. وجاء توقيت العملية الأخيرة بسبب مخاوف تغيير البغدادي مكانه.
ويرى المسؤولون أن قتل زعيم تنظيم الدولة هو نتاج عمل وتعاون مع عدة شركاء، وبدأ عام 2015 عندما أرفق فريق كوماندوز أمريكي مع القوات العراقية والمقاتلين الأكراد بهدف البحث عن البغدادي وقادة التنظيم الآخرين. ونجحوا بتحديد مكان المتحدث باسم التنظيم أبو محمد العدناني وقتله عام 2016، ولكن البغدادي كان مراوغا أكثر نظرا لتحركه المستمر ورفضه استخدام الهاتف النقال أو أي جهاز يمكن تتبعه.
ويقول مسؤول يعرف بالشرق الأوسط إن عملية الملاحقة تحولت إلى إدلب هذا الصيف حيث قامت فرق أمريكية وفرنسية وفرق تعمل في المراقبة بتمشيط المنطقة لتحديد مكانه. وقال المسؤول: “لم يكن باستطاعة أحد الدخول إلى هناك” لأن “الروس هم الذين يسيطرون على الأجواء”. وبمساعدة من المخبر تم تحديد مكان البغدادي في بلدة باريشا حيث انتقل إلى هناك وسكن في بيت بني حديثا فوق شبكة من الأنفاق.
وبدأ التخطيط للعملية يوم الأربعاء على أمل القبض عليه حيا. وحاصرت القوات المجمع ونادت على من فيه للاستسلام. وظهر منه عدة أطفال وكبار إلا أن البغدادي ظل في الداخل حيث هرب مع ثلاثة من أولاده إلى نفق وضغط على زر الحزام الناسف. وقال المسؤول إن قائد العملية قرر عدم إخراج جثث الذين قتلوا معه خشية أن تكون مربوطة بأحزمة ناسفة. وقال: “إنهم تحت الأنقاض ميتون” و”علينا الحفر لنخرجهم وعليهم المتفجرات وهذا خطر”. وكان رأس البغدادي سليما حتى بعد الانفجار، وتأكد المسؤولون من هويته حتى قبل فحص الحمض النووي له. وقال أحد القادة عبر اللاسلكي: “أنظر إليه، هذا هو البغدادي. جائزة كبرى”.