بعد أقل من أسبوع من عودته إلى البلاد يحاول الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز إحداث انقلاب للعودة إلى المسار. لكن ردة فعل "الرجل القوي" في السلطة حاليا لم تتأخر. أزمة يبدو أن الكفة فيها تميل لصالح الرئيس الحالي.
بعد ثلاثة أشهر من الإقامة في الخارج أعطى الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز انطباعًا خاطئًا عن الرغبة في المرور دون جذب انتباه الجمهور. لقد نشر في أعمدة أحد المواقع الإخبارية رغبته في عدم استقباله بضجة كبيرة.
هذا التمويه لا يتوافق مع شخصية هذا الرجل الذي قفز فجأة في المشهد بفضل الانقلاب الفاشل في 8 يونيو 2003 ولم يخرج منه بعد ذلك. إذا أراد حقًا أن يمر دون أن يلاحظه أحد فلن يواصل ذلك بعد عودته، وهو ما أكده تسلسل الأحداث بعد ذلك.
بدأ الرئيس السابق باستقبال أولئك الذين ظلوا مخلصين له بين فريق حكومته وأصدقائه السياسيين. كما حاول من خلال عدد من مؤيديه وضع اليد على الحزب الحاكم الاتحاد من أجل الجمهورية الذي يعتبره ملكية خاصة.
ويبدو أن عزيز الذي لم يقف أي شيء في وجهه خلال العقد الماضي لم يبلغ خليفته بمشروعه وشرع مباشرة في تنفيذ خطته التي بدأت بالدعوة لعقد اجتماع للجنة المؤقتة المكلفة بإدارة الحزب وشارك في الاجتماع أو بالأحرى ترأسه. ويبدو أن أعضاء اللجنة كانوا يستجيبون لأوامره، فلم يسأل أي منهم عن المكانة التي سمحت له بعقد مثل هذا الاجتماع وترأسه.
بعد ذلك تم نشر بيان في وقت متأخر من ليل الأربعاء أكد أن المرجع "الأيديولوجي" للحزب هو الرئيس المؤسس محمد ولد عبد العزيز. وبالنسبة لولد الغزواني فإن بيان اللجنة اكتفى بالقول إن الحزب يدعم برنامجه الذي يعد جزءًا من السعي لمواصلة "الإنجازات العظيمة للعقد المبارك".
أثار الأمر ذعرا في جزء كبير من الرأي العام، فعزيز الذي ترك السلطة من الباب الأمامي يحاول العودة من النافذة، يكتب أحد النواب.
أما بالنسبة للنائب السابق الخليل ولد الطيب، وهو أحد قيادات الجناح الذي يتبنى مرجعية ولد الغزواني للحزب، فقد كان "الاجتماع يهدف لتقويض النموذج السياسي الوطني السائد." وأضاف أن "نتائج هذا الاجتماع ستؤدي إلى حالة من التوتر السياسي لا يمكن لبلدنا تحملها في مناخ داخلي وإقليمي ودولي غير مستقر وجاهز للانفجار في أي لحظة".
وكما هو متوقع انطلقت الحرب المخيفة أو المرغوبة –حسب الموقف السياسي- بين أصدقاء الأربعين عامًا. بعد قليل من التردد أو ضبط النفس إلى حد ما جاء الهجوم المضاد من خلال اجتماع رفيع المستوى في الرئاسة. شارك فيه ولد الغزواني ورئيس الوزراء ووزير الداخلية ووزير البترول ومدير ديوان الرئيس والنائب الأول لرئيس الجمعية الوطنية ورئيس المجموعة البرلمانية للحزب.
وعلى الرغم من التركيز الشديد على العلاقات "قبل كل شيء" بين ولد الغزواني وعزيز فقد تم التأكيد على أن مرجعية الحزب الحاكم هي ولد الغزواني وبرنامجه الانتخابي الذي تنفذه الحكومة. ولم يتوقف رد فعل السلطة عند هذا الحد. فقد اجتمع أكثر من ثمانين عضوًا من نواب الحزب الحاكم يوم الخميس 21 نوفمبر وهو اليوم الذي يلي اجتماع الرئيس السابق رفضوا فيه عودته إلى الساحة السياسية.
في بيانهم حيوا "التناوب الديمقراطي الذي تحقق لأول مرة في تاريخ البلاد بين رئيسين منتخبين؛ وأعربوا عن تمسكهم القوي بحزب الاتحاد من أجل الجمهورية باعتباره الداعم الرئيس لمحمد ولد الشيخ الغزواني الذي يمثل المرجع الحصري للحزب الذي يجب أن يفتح أمام جميع القوى السياسية التي أيدته وأولئك الذين يرغبون في الالتزام بتنفيذ برنامجه.
بقي عزيز ومعسكره صامتين بعد الهجوم القوي للسلطة غير المتوقع منهم بشكل أو بآخر. قضى الرئيس السابق عطلة نهاية الأسبوع في مزرعته في إنشيري. فهل يتجرع الهزيمة أم يستمر في القتال وبأية أسلحة؟
لا توجد معلومات رغم أن داعميه على قلتهم يواصلون اللقاءات ويحلمون برؤية بطلهم يفوز باللعبة. وهو احتمال يصعب تصوره لأنه من الواضح أن الذخيرة (الجيش، حزب الدولة، الشخصيات البارزة، رجال الأعمال...) غير متوفرة هذه المرة. فماذا بقى؟
الأمر أكثر ترجيحًا، أن الفصل الثاني من رد فعل السلطة يتعلق بإحياء الحزب وتغيير واجهته التي يبدو أنها غير مطيعة. أو لم تتمكن من قراءة موازين القوى.
على أي حال فإن هذه الأزمة إذا انتهت لصالح ولد الغزواني كما تشير جميع الدلائل ستكون قد خدمته لتعزيز سلطته في أعين الرأي العام وستخلصه، دون بذل الكثير من الجهد، من صديق أصبح مرهقًا.
ترجمة الصحراء