بعد مرور أقل من ستة أشهر على انتخابه، أحكم الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني قبضته على السلطة، مهمّشا سلفه ومعلّمه السابق محمد ولد عبد العزيز، العسكري السابق الذي حكم موريتانيا على مدى عشر سنوات.
وسادت تكهّنات كثيرة في مطلع العام 2019 حول نية ولد عبد العزيز الذي وصل إلى السلطة في عام 2008 إثر انقلاب أبيض خرق الدستور والترشّح لولاية ثالثة.
إلا أن الجنرال السابق قرر دعم مساعده الوفي وزير الدفاع محمد ولد الشيخ الغزواني.
وعندما تولى ولد الشيخ الغزواني الحكم في آب/أغسطس سارع لإحكام قبضته على مقاليد السلطة مخيبا آمال الرئيس السابق بالانضمام إلى معسكر مؤيديه للتحكّم بالبرلمان.
واعتبر كثر أن ولد الشيخ الغزواني الذي شغل سابقا منصب رئيس الأركان العامة، مهندس الاستراتيجية الأمنية التي نجحت في إبقاء موريتاني بمنأى عن الحركات الجهادية التي تشن هجمات عنيفة في مالي المجاورة.
ولم يكن فوز ولد الشيخ الغزواني في انتخابات حزيران/يونيو مفاجئا لا سيّما وأنه حظي بتأييد واسع من حزب “الاتحاد من أجل الجمهورية” الذي أسسه ولد عبد العزيز في العام 2009 حين فاز بولايته الرئاسية الأولى.
وشكّل هذا التغيير في سدة الرئاسة أول تداول للسلطة بين رئيسين منتخبين في البلاد الإفريقية الشاسعة الواقعة على سواحل الأطلسي، والتي شهدت انقلابات عدة بين عامي 1978 و2008.
وكان ولد عبد العزيز قد أكد قبيل الانتخابات نيّته عدم الخروج من معترك السياسة والعودة للعمل الحزبي.
إلا أن ولد الشيخ الغزواني أكد صراحة أنه لا ينوي إعادة السلطة لمعلّمه السابق.
– مخطِّط استراتيجي بارع –
ويقول الكاتب والأكاديمي إيدومو عباس إن “الرئيس الغزواني رجل هادئ، متحفّظ، مثقّف، ومتشبّع من القيم الموريتانية”.
ويضيف أن “الموريتانيين اكتشفوا للتو أن هدوء الرئيس يخفي رجلا قويا وحاسما، ومخطِّطا استراتيجيا بارعا”.
لكن توليه الهادئ للسلطة شكّل صدمة مريرة لسلفه الذي قمع طويلا المعارضة والمعتاد على الولاء والمجد ومراتب الشرف.
وأعفى الرئيس الجديد قادة الحرس الرئاسي الذين عيّنهم ولد عبد العزيز وحصل نهاية الأسبوع الفائت خلال مؤتمر “الاتحاد من أجل الجمهورية” في نواكشوط، والذي كان لافتا عدم حضور مؤسسه، على تأييد صريح من الحزب.
وانتخب نحو 2250 عضوا في الحزب مجلسه الوطني الجديد بالإجماع.
وفي 29 كانون الأول/ديسمبر اختاروا لرئاسة المجلس مرشّح الرئيس سيدي محمد ولد طالب أعمر الذي كان قد ابتعد لأكثر من عشر سنوات عن الشؤون الداخلية لتولي منصب سفير موريتانيا إلى الصين، ثم روسيا، ثم الأمم المتحدة.
وخلال المؤتمر قال عضو “الاتحاد من أجل الجمهورية” أحمد ولد سالم لوكالة فرانس برس “إنه الوقت لتوافق الآراء حول رئيسنا الغزواني الذي أقنع الجميع، بما في ذلك المعارضة. الآخر (ولد عبد العزيز) لم يعد أحد يتكلم عنه، باستثناء مواقع التواصل الاجتماعي. عليه أن يتقاعد”.
– تعزيز الغالبية –
حكم ولد عبد العزيز البلاد بقبضة من حديد وسجن أعضاء في مجلس الشيوخ عارضوا قراره إلغاء المجلس الذي اعتبره “مكلفا جدا ولا فائدة فيه”.
وكان ولد عبد العزيز قد أجرى في آب/أغسطس 2017 استفتاء على تعديلات دستورية يريد إجراءها، أيد 85 بالمئة من المشاركين فيه موقفه.
في المقابل، أظهر ولد الشيخ الغزواني مرارا مؤشرات انفتاح على الرأي الآخر بالتزامن مع توسيعه قاعدة مؤيديه.
ويقول عباس إن ولد الشيخ الغزواني “قدّم نفسه على أنه رجل حوار وتوافق عندما كان مرشّحا، وهو يحكم البلاد منذ خمسة أشهر بطريقة تؤكد ذلك”.
والسبت ضم “الاتحاد من أجل الجمهورية” أربعة أحزاب لائتلافه بينها حزب “العهد الوطني للديمقراطية والتنمية” (عادل) المعارض والذي سيعزز بعضويه في البرلمان الغالبية التي يتمتّع بها حزب الاتحاد.
وفي الانتخابات الرئاسية التي أجريت العام الفائت فاز ولد الشيخ الغزواني على رئيس الوزراء السابق سيدي محمد ولد بوبكر الذي حل ثالثا.
وبعد اجتماع عُقد بينهما أشاد ولد بوبكر بقدرة ولد الشيخ الغزواني على الإصغاء واهتمامه التشاور مع مختلف القوى السياسية.
وبعدما شعر بأن الحزب الذي أسسه تخلى عنه، عقد ولد عبد العزيز مؤتمرا صحافيا اعتبر فيه أن “ما قام به ولد الغزواني إجراء غير دستوري”، مضيفاً أن “الدستور الموريتاني يمنع رئيس الجمهورية من الانتماء لأي حزب سياسي أو قيادته”.
وأشار ولد عبد العزيز في المؤتمر إلى احتمال تأسيسه حزبا جديدا.
بالانتظار لا استحقاقات انتخابية قريبة إذ من المقرر أن تجرى الانتخابات النيابية والجهوية والبلدية في عام 2023، فيما ستجرى الانتخابات الرئاسية المقبلة في عام 2024.
(أ ف ب)