أولا: من المبالغة الكبيرة القول بأن النظام الذي أفرزته انتخابات 2007 كان نظاما مدنيا ديموقراطيا يستحق منا التباكي عليه، فمع احترامي الشديد لشخص الرئيس سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله ومكانته وتجربته، إلا أنه من المبكر جدا أن ننسى أنه فُرض فرضًا من طرف قائد كتيبة الأمن الرئاسي وقتها، وأن هذه الانتخابات شكلت انقلابا حقيقيا ضد الرئيس أحمد ولد داداه والزين ولد زيدان والرئيس مسعود ولد بلخير بحكم الضغط والتدخل السافر للعقيد محمد ولد عبد العزيز الذي سيقود هو نفسه الانقلاب بعد سنة ونصف ضد الرئيس سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله.
ثانيا: أن نظام الرئيس سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله لم يلبث أن أعاد إلى الواجهة أغلب رموز نظام الرئيس معاوية ولد الطايع، والذي شكلت الإطاحة به ارتياحا واسعا، وإجماعا وطنيا على ضرورة إحداث تغيير جذري وشامل، مما شكل نكوصا عن خط هذا الإجماع الوطني بإعادته لتلك الرموز وقتها، وصدمة كبيرة لدى الذين كانوا في واجهة هذا التغيير وخاصة على مستوى النواب والشيوخ في البرلمان، وهم نواب وشيوخ منتخبون من طرف الشعب في انتخابات شهد الجميع بنزاهتها وشفافيتها، وبعضهم ما زال يعاد انتخابه حتى اليوم.
ثالثا: نحن كبرلمانيين، وأنا أحدهم، لم نشارك في أي انقلاب ضد هذا النظام، وإن كانت خلافاتنا مع الرئيس الموقر سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله قد بلغت ذروتها في ذلك الوقت، إلا أنها تظل خلافا سياسيا صرفا، ولم نكن مطلقا نملك أية قوة للإطاحة بالنظام، وملتمس حجب الثقة المقدم ضد الحكومة وقتها، وهو سلوك برلماني ديموقراطي لا تشوبه شائبة كان آخر أوراقنا وأقواها، ورغم ذلك كان تأثيره محدودا.
رابعا: الانقلاب وقع حين أزاح الرئيس سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله قائد أركانه الخاصة الجنرال محمد ولد عبد العزيز، فقرر الأخير ودون التشاور مع أي كان تنفيذ الانقلاب، ورفض تقديم أي مبرر للانقلاب سوى أن الرئيس وقتها أقاله فقرر هو الإطاحة به، وكان خطأ الرئيس وقتها هي إقالته بنفس القرار لقائد أركان الجيش الجنرال محمد ولد الشيخ الغزواني الذي لم يكن متحمسا إطلاقا للقيام بانقلاب ضد الرئيس إلى جانب قيادات عسكرية وأمنية أخرى، مما دفع بالمؤسسة العسكرية إلى التوحد والانحياز للانقلاب، وهو أمر ربما كان مستبعدا لو اقتصر قرار الإقالة على قائد الأركان الخاصة لوحده.
وقد شكلت خلافات أغلبية النواب والشيوخ والعديد من القوى السياسية مع الرئيس سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله سدا منيعا دون الانتصار له والمطالبة بعودته، فقرروا مباركة الانقلاب ومطالبة المجلس الأعلى للدولة بضرورة العودة بالبلد إلى الحياة الدستورية في أقرب وقت عبر انتخابات رئاسية تنظم في أقرب وقت وبأعلى سقف يضمن نزاهتها وشفافيتها وهو ما أثمره اتفاق دكار وبأوسع إشراف دولي ممكن.
خامسا: لم تكن مساندة الانقلابات وقتها أمرا خاصا بنا، ولم نكن بِدعا في ذلك، فكل الساسة في هذا البلد على اختلاف مشاربهم وتوجهاتهم ساندوا انقلابات ودخلوا وشاركوا في حكومات أثمرتها انقلابات، وهذا الانقلاب بالذات حظي بمساندة أكثر من ثلثي الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ وأحزاب مهمة في الساحة وقتها كحزب التكتل وحاتم والاتحاد من أجل الديموقراطية والتقدم والعديد من الأحزاب الأخرى، والاغلبية الساحقة من المركزيات النقابية.
سادسا: هل يحق للرئيس الموقر سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله أن يستفيد من دعم العقيد محمد ولد عبد العزيز وهو يفرضه فرضا ويستقوي به على كل القوى والشخصيات السياسية المنافسة له، ولا يحق لنا أن نلتزم الصمت أو حتى نبارك حين يطيح به؟