عد أن عينت الفرق البرلمانية، بما فيها فريق الحزب الحاكم، ممثليها في لجنة التحقيق في الإحدى عشرة سنة التي حكمها الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، تستعد الجمعية الوطنية لاستكمال المصادقة النهائية على توليفتها لتبدأ التدقيق في أكثر عهود الحكم في موريتانيا غموضاً وإثارة.
وحسب مصدر في اللجنة، فإن التدقيق سيبدأ بالنظر في تسيير الموارد البترولية وفي الطرق التي أبرمت بها الصفقات العمومية.
ويحدث هذا التطور بينما أوضحت الأحداث أن القطيعة النهائية بين الرئيس الحالي والرئيس السابق أصبحت أمراً واقعاً لا خلاف حوله.
وأجاز البرلمان الموريتاني بالإجماع يوم 31 يناير/كانون الثاني المنصرم لجنة التحقيق البرلمانية بعد أن طالب بها لعدة أسابيع نواب المعارضة، وكلفت هذه اللجنة بالتحقيق في سنوات تسيير الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز.
وأكد رئيس الجمعية الوطنية الموريتانية الشيخ ولد بايه، وهو من أقرب المقربين من الرئيس السابق، أن «اللجنة على وشك أن تبدأ أعمالها».
وستحقق اللجنة في تسيير العائدات النفطية والمعدنية، وفي إبرام الصفقات العمومية، وفي بيع العقار العمومي داخل العاصمة، كما ستنظر في صفقات التنازل عن تسيير الموانئ والمطارات، وفي العقود المبرمة في مجال الطاقة والصيد وفي ظروف تصفية عدد من الشركات العمومية العملاقة.
وتعتقد المعارضة الموريتانية أن جميع هذه القطاعات شهدت في عهد الرئيس السابق فساداً ونهباً غير مسبوق.
ويؤكد التوجه نحو التحقيق في فترة تسيير الرئيس السابق أن موريتانيا مقبلة على زلزال سياسي حقيقي: فبعد أن كانت المعارضة هي وحدها الجهة الداعية للنظر في مساءلة الرئيس السابق، انضم إليها نواب وقادة حزب الاتحاد من أجل الجمهورية (الأغلبية الحاكمة)، وهو ما يؤكد تحييد الرئيس الغزواني لسلفه الرئيس السابق. وكان الرئيس المنصرف محمد ولد عبد العزيز، قد أكد في مؤتمر صحافي عقده في ديسمبر/كانون الماضي، أنه «ترك خزائن الدولة ملأى»، لكن رئيس الوزراء الحالي إسماعيل بده الشيخ سيديا، فند ذلك في توضيحات أمام البرلمان يوم 31 يناير الماضي، مؤكداً أمام النواب «أن حالة خزانة الدولة كارثية، إذ كان رصيدها في يوم انصراف الرئيس السابق عن السلطة مبلغ 26.4 مليار دولار يقابله تركة التزامات بملغ 200 مليار دولار».
ومن علائم ابتعاد الرئيس غزواني عن سلفه، العودة المنتظرة لرجل الأعمال محمد بوعماتو، أشرس أعداء الرئيس الأسبق.
وسلم رجل الأعمال قائمة بنقاط يشترطها للعودة إلى موريتانيا، حيث وافقت الحكومة على بعض هذه النقاط من ضمنها السماح لمصرفه «بنك موريتانيا العام»، باستئناف نشاطاته المتعلقة بتمويل قطاع الصيد، وفك الحصار الذي فرضته إدارة الضرائب بأمر من الرئيس السابق على شركة بوعماتو المتخصصة في بيع سيارات «نيسان» وفورس فاكون»، بعد تخفيض مبلغ الضرائب من 500 مليون أوقية إلى 250 مليون.
وسبق للمعارضة الموريتانية أن أكدت في وثيقة سابقة لها أن «موريتانيا شهدت في عهد الرئيس السابق انتشاراً غير مسبوق للفساد بمختلف أشكاله وأنواعه، عرفت فيه الصفقات العمومية بشكل خاص تجاوزات خطيرة، حيث كانت توزع على أساس الرشوة والزبونية والمحسوبية، دون مراعاة لأبسط معايير الجودة والخبرة والكفاءة والمنافسة، وهو ما تسبب في تبديد أموال طائلة وأدى إلى فشل مشروعات كثيرة ومهمة، كانت الحاجة لها ماسة والأمل فيها كبيراً، أو لخروج هذه المشاريع هجينة ومشوهة لا تلبي أدنى منفعة أو حاجة، بل قد تشكل خطورة على أرواح المواطنين وممتلكاتهم». وأكدت «أن الفساد المستشري والمستحكم في مختلف مفاصل الدولة، أدى إلى إفلاس بعض المؤسسات، بينما ترزح أخرى عديدة تحت وطأة الفشل في التسيير والديون المتراكمة وسوء وتردي الخدمات».
القدس العربي