لم يبق شيء في كوننا اليوم إلا وهزته قرون كورونا اللعين: فبعد تهاوي البورصات، وسقوط أقوى الاقتصاديات، وانهيار الأنظمة الصحية، لم يسلم الوسط الديني من تأثيرات صاحب القرون المخيفة.
وفي موريتانيا، أعاد نظام المكث الوقائي الإلزامي في المنازل الكثيرين للعبادة والأذكار والصلوات والابتهالات، وتبادل الأدعية عبر الـ “وتس آب”، وعبر صفحات “فيسبوك”، لكن الفيروس أثار أمورا دينية كثيرة بينها جدل حول أحكام تعطيل صلاة الجمعة التي سال حولها مداد كثير بعد أن أقر المجلس الأعلى للفتوى تعليقها اعتمادا على رأي غالبية علماء البلد، ليهاجم علماء وباحثون هذا التعطيل مطالبين بإعادة صلاة الجمعة لأنها حسب رأيهم “ليست بابا للعدوى بل هي باب للتقرب الجماعي إلى الله من أجل رفع البلاء”.
وكتب علماء عن الفيروس من زاوية إسلامية واتهم باحث موريتاني الجامع الأزهر بمحاولة استغلال فيروس كورونا لحمل الناس على الإفطار في رمضان الذي أصبح على الأبواب.
وتحت عنوان “رؤية إسلامية لكورونا”، كتب الشيخ محفوظ ولد والد (أبو حفص الموريتاني)، مستشار بن لادن ومفتي تنظيم القاعدة السابق، مؤكدا أن “فيروس (كورونا) هز العالم بعنف، وأخذ تلابيبه بقوة، فأثار موجة من الهلع، ونوبة من الفزع، تجاوزت تداعياتها المجالات الصحية، إلى مختلف المجالات الأخرى الاقتصادية، والسياسية، والثقافية، والرياضية، والاجتماعية، وغيرها”.
وقال: “الإسلام له رؤيته المتميزة لكل المصائب التي تنزل بالعباد، والشرور التي تحل بالبلاد، ومنها الأمراض، والأوبئة، وله رؤيته في معرفة أسبابها، والوقاية منها قبل حلولها، وعلاجها بعد نزولها، والموقف الذي ينبغي تجاهها، فكورونا بما كسبت أيدينا وكورونا مأمور وكل شيء مقدور فهو خلق صغير من خلق الله، لا يصيب أحدا إلا بإذنه، ولا يأتمر إلا بأمره، فليست لكورونا إرادة خاصة، ولا قرار ذاتي”.
وأضاف أبو حفص: “كورونا آية من آيات الله، فهو كائن مجهري ضئيل لا تدركه الحواس، ولا تراه العين المجردة، ومع ذلك فقد كان لهذا الكائن الصغير كل هذا الفعل الكبير، والتأثير الخطير في جميع أنحاء العالم، بينما كان إنسان القرن الحادي والعشرين قد ظن أنه بما أوتي من قوة، وحقق من تقدم، وملك من ناصية العلم، قد فرض سلطانه على الأرض، وتحكم في مجريات الحياة عليها، إذا به يجد نفسه عاجزا أمام فتك هذا الكائن المجهري الذي عجزت أمامه جميع قوى الأرض”.
أما العالم والباحث الموريتاني الشهير محمد سالم ولد دودو، فقد وقف في تدوينة مطولة أمام ما اعتبره “فتوى تمهيدية نشرها الأزهر لفتوى وجوب الفطر في رمضان التي تتداولها معظم هيئات الفتوى في العالم الآن”.
وقال: “رغم السلامة الظاهرية لفتوى الأزهر واستصحابها لأصل وجوب الصيام على غير ذوي الأعذار، فقد دُسَّ في عسلها السُّمُّ الناقع مرة بعد مرة، في خطوات مدروسة متلاحقة، تمهد للطبق الرئيس (فتوى انتهاك رمضان)”.
وقدم الشيخ محمد سالم تفاصيل عن خطوات يراها قائدة لانتهاك رمضان بينها ما ورد في الفتوى من أنه “إذا ثبت علميا أن لعدم شرب الماء تأثيرا صحيا على الصائمين، كإجراء وقائي لهم من الإصابة بهذا المرض بالإفطار في رمضان، فيرجع في حكم ذلك إلى الأطباء الثقات وما يرونه؛ للحفاظ على صحة الإنسان، فهم أهل الاختصاص في هذه المسألة، وحكمهم ملزم لكل صائم مسلم بالإفطار من عدمه”.
وأضاف منتقدا هذه الفقرة: “إذا أفتى الأطباء بوجوب الفطر في رمضان تقوية للمناعة وتوقيا لتفشي الوباء، لزمت كل مسلم الاستجابة لهم بالفطر، وإلا كان متنطعا معرضا حياته وحياة الآخرين للخطر”، حسب تعبيره.
وانتقد الشيخ محمد سالم مستند فتوى الأزهر على الفتوى الطبية ودعوته للتريث في الحكم بتعليق الصيام، مؤكدا أن “المنقول حتى الآن عن منظمة الصحة العالمية هو عدم جدوائية شرب الماء والغرغرة في الوقاية من الفيروس، حيث نشرت على موقعها ردا على سؤالين أنه “من المهم شرب الماء للمحافظة على مستوى الرطوبة في الجسم، مما يحفظ الصحة العامة، ولكن لا يقي شرب الماء من العدوى بكوفيد-19؛ لا توجد أي بينة على أن غسول الفم يقي من فيروس كورونا المستجد”.
وأكد الشيخ محمد سالم في آخر معالجته أن “رمضان في كل هذا ليس بمنأى عن التعليق العبثي ما دام الأزهر قد أكد أنه في حالة الضرورة فالرأي القاطع في هذه المسألة يكون لهيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، تشويقا وتهيئة وترويجا للطبق الرئيس الذي يعده فضيلة مولانا “الشيف” الأكبر، ونحن نقول: حسبنا الله ونعم الوكيل”.
عبد الله مولود
نواكشوط – “القدس العربي”