لا تتردد الكثير من الأسر الموريتانية في تزويج بناتها صغيرات السن، حيث تنظر التقاليد الاجتماعية إلى الأمر على أنه طبيعي. وبحسب آخر الإحصائيات التي أجرتها وزارة الشؤون الاجتماعية والطفولة والأسرة في موريتانيا، فإن 37 في المئة من الفتيات يتزوجن قبل بلوغهن سن الـ18، و15 في المئة يتزوجن قبل بلوغهنّ سن الخامسة عشرة.
وأشارت الإحصائيات إلى أن النسبة ترتفع بشكل ملحوظ في المناطق الريفية في موريتانيا، حيث أن 41 في المئة من فتيات الأرياف تزوجن قبل سن البلوغ، منبهة إلى أن زواج القاصر يعني الحمل والإنجاب ثم في النهاية الانقطاع عن التعليم.
ورغم أن المادة 6 من مدونة الأحوال الشخصية في موريتانيا حددت سن الزواج بـ18 سنة، فإن القانون الموريتاني وضع استثناءات بيد أولياء الأمور تتيح لهم تزويج الفتيات قبل بلوغهن السن القانونية. وتطالب المنظمات الحقوقية المدافعة عن حقوق المرأة في البلاد بين الفينة والأخرى بضرورة النظر في هذه المادة، التي وجدت فيها ثغرة يستغلها أولياء الأمور في الهروب من العقاب.
وتتعالى أصوات الحقوقيات الرافضة لزواج القاصرات بشكل دائم، مطالبة بتجريم الظاهرة التي يرون في استمرارها حجر عثرة أمام تعليم الفتيات، وسببا رئيسيا في استفحال ظاهرة التسرب المدرسي التي باتت تنتشر بشكل متزايد في الأرياف الموريتانية.
ومن جهتها أظهرت شبكة المعلومات الإقليمية التابعة للأمم المتحدة أن ظاهرة تزويج الفتيات في سن الـ12 انتشرت بشكل كبير في موريتانيا، ونقلت الشبكة عن علماء اجتماع موريتانيين أن تهريب القاصرات أصبح تجارة جديدة تدر على الأسر والسماسرة أموالا طائلة.
وقالت مصادر حقوقية إن القاصرات الموريتانيات يتم استغلالهن بطريقة غير أخلاقية ويدفعن إلى ممارسة غير أخلاقية تحت غطاء الزواج السري لحساب سماسرة يتاجرون بهن ويستغلون جهلهن وفقرهن في تحقيق أرباح كبيرة، وصرح الباحث الاجتماعي أحمدو الحافظ بأن تزويج الفتيات من أثرياء سواء كانوا مواطنين أو أجانب يعتبر في نظر الأسر الموريتانية أفضل طريقة لتأمين حياة كريمة للأسرة، لا سيما في الأرياف والأحياء الشعبية حيث ينتشر الجهل والفقر والبطالة.
وأضاف “تتأثر الأسر الفقيرة بالعروض المادية التي يقدمها السماسرة. كما تتأثر بما يقال في الوسط الاجتماعي عن النساء العائدات من الخارج والتحوّل الذي طرأ على حياتهن وحياة أسرهن، ثم يضفي الزواج على هذه الصفقات الغطاء الشرعي اللازم لإقناع هذه الأسر البسيطة”.
تزويج الفتيات من أثرياء سواء كانوا مواطنين أو أجانب يعتبر في نظر الأسر الموريتانية أفضل طريقة لتأمين حياة كريمة للأسرة
كما أوضح أن هذه الظاهرة تطورت بشكل ملحوظ، حيث كانت النساء المطلقات في موريتانيا يلجأن إلى الهجرة مع بناتهن بحثا عن حياة أفضل وزوج ميسور للأم والفتاة، لكن في احترام تام لفكرة الزواج دون استغلالها كغطاء شرعي لصفقات مشبوهة كما يحدث اليوم، ومع تطور هذه العمليات تحولت إلى تجارة تهدف إلى جني المال فقط.
وأشار الباحث إلى أن هناك شبكات نسائية تغرر بالفتيات وتقنع أسرهن بضرورة تزويجهن في الخارج للاستفادة من المهور المرتفعة هناك، وتتولى هذه الشبكات كافة الإجراءات من استخراج جواز السفر إلى الحصول على التأشيرة وتذاكر السفر والاستقبال في الخارج، مقابل جزء من المهر مما يحقق للمحترفات في هذا المجال أرباحا طائلة.
ودعا الحافظ إلى التدقيق في سفر القاصرات والفتيات ومنعهن من السفر دون مبرر معقول، مؤكدا أن القضاء على هذه الظاهرة التي تسيء لسمعة الموريتانيات ينطلق من تحسين ظروف الفقراء وتوفير فرص عمل للفتيات ضحايا الطلاق واليتم والفقر، وتشديد الرقابة على وكالات السفر ومعاقبة المسؤولين عن تهجير الفتيات.
وفي وقت سابق قال مصدر في “رابطة النساء معيلات الأسر”، التي تهتم بتهجير الفتيات الموريتانيات إلى الخارج، إن لديها سجلا لثماني عشرة حالة لفتيات تم ترحيلهن إلى دول خارج موريتانيا وتزويجهن هناك وهن قاصرات، ولما بلغن سن الإنجاب تم تطليقهن وإبعادهن، بل إن بعضهن عدن يحملن معهن أطفالا رفض آباؤهم الاعتراف بهم، لأن الزواج كان عرفيا وسريا خلال إقامتهن في تلك البلدان.
وقال المصدر إن هذه الحوادث تطرح من جديد موضوع المتاجرة بالقاصرات الموريتانيات في الخارج، حيث يتم التغرير بهن وبأسرهن ليتمكن التجار من شرائهن على أساس أنهم سيتكفلون بتزويجهن مقابل عمولات.
ومن جانبها شددت رئيسة منظمة النساء معيلات الأسر آمنة بنت المختار على حظر ما يعرف بزواج السر وسن قوانين تجرمه، بعد انتشاره في موريتانيا، وكثرة المشاكل التي تنتج عنه، وخصوصا لدى الأطفال.
ونبهت بنت المختار في تصريح سابق إلى أن هذا الزواج لا يعطي الزوجة حقها، حيث ستتفاقم المشكلة حين يأتي الأبناء، وقد ينهار الزواج إذا كان الرجل متزوجا بامرأة قبلها، بسبب القلق والتوتر اللذين يعيشهما الزوج بشكل دائم.
وأثارت فتوى أكدت عدم اشتراط ولي الأمر في الزواج ردود فعل واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي، البعض اعتبر أنها تسهل زواج السر وتزيد الطين بلة، في ظل وجود الآلاف من القضايا أمام المحكمة لضحايا تطالب بإلحاق الأبناء بالآباء بعد عدم الاعتراف بهم.
وأكد باحثون أنه رغم عدم وجود إحصائيات دقيقة عن نسبة انتشار الزواج السري في موريتانيا، فإن المعلومات المتوافرة لدى مصالح النزاعات الأسرية والمحاكم تكشف أن الخلافات الناتجة عن الزيجات السرية تفوق أحيانا المشاكل الناجمة عن الطلاق والنفقة وحضانة الأطفال.
وربط باحثون بين انتشار ظاهرة الزواج السري في المجتمع الموريتاني وانتشار الطلاق بشكل كبير، حيث تعتبر نسبة المطلقات الأكبر بين النساء اللواتي يتزوجن سرا، وهو أمر تبرره أرقام الطلاق.
المصدر: العرب