نجحت موريتانيا نجاحاً لافتاً في مواجهة كورونا، في وقت عجزت فيه دول عظمى عن ذلك، ويعود نجاح هذه التجربة إلى النظرة الواقعية للحكومة في هذا المجال، فهي أدركت ألاّ قِبَلَ لها بمحاربة الداء بعد انتشاره، وأن الخيار الوحيد هو منعه من دخول البلاد بأي ثمن.
وانطلاقاً من هذه الرؤية اتّخذت الحكومة إجراءات استباقية صارمة لدى تسجيل أول إصابة أو اثنتين، مستنفرةً كل الإمكانيات المادية واللوجستية تَحسُّباً للأسوأ، وتمثَّل ذلك في حظر التجول، وإغلاق الأسواق والمساجد، ومنع التنقل بين الولايات، وغير ذلك من تدابير مؤلمة لكنها ضرورية، عكس كثير من الدول لم تُقْدِم على تلك الخطوات إلا بعد أن اجتاحها الداء ودَمَّرها.
فالحكومة الموريتانية بعد تحليل واقعي لإمكانيات الدولة وموقعها الجغرافي ذي الحدود الواسعة والمفتوحة من كل جهة، وَعَتْ أنها لن تستطيع محاربة المرض داخل البلاد، إذاً فلتحاربه على حدودها.
إن الوسائل المادية والطبية المتوفِّرة (من مستشفيات، ومراكز صحية، وطاقم طبي، وأسِرَّة إنعاش، وأدوات صحية، وغيرها) لا تكفي لمواجهة الأمراض الموجودة، فضلاً عن مكافحة هذا الداء العنيد الذي تحدَّى أقوى دول العالم.
يقول سون تسو (الاستراتيجي الصيني المتوفَّى سنة 496 قبل الميلاد) إنَّ: التفوُّق الأعظم هو كسر مقاومة العدو دون قتال.
وهذه الاستراتيجية اتَّبعتها موريتانيا لهزيمة الوباء، فتَجَنَّبت محاربته في ميدان القتال، ولكنَّها حصَّنت حدودها ضده فظلَّ جاثماً خارجها مشلولاً، وتلك أكبر هزيمة لعدو خفي من طراز كورونا، لذلك لم يُسجَّل في موريتانيا سوى 8 إصابات فقط من هذا الداء، رغم اكتساحه للدول المجاورة، 6 من تلك الحالات شُفِيت وتُوُفِّيت سيدة وبقيت حالة واحدة نشطة، وبهذا تصبح البلاد –حتى كتابة هذه السطور– خالية تقريباً من المرض.
ويبدو أنَّ هذه التجربة لم تَفُتْ بعض الهيئات الإقليمية والعربية التي أشادت بها، فقد نَوَّه بها الاتحاد العام للصحافيين العرب بالقاهرة، وأَطْرَتها منظمة الصحة العالمية، وأشادت بها سفيرة ألمانيا بنواكشوط.
لا شكَّ أنه سيكون لهذه الإجراءات ثمن باهظ اقتصادياً واجتماعياً، وسيُؤجَّل تصدير الغاز الموريتاني سنةً كاملة، وفق بيان شركة «كوزموس» الأمريكية التي تشترك مع شركة البترول البريطانية (BP) في استغلال الغاز الموريتاني؛ لكن لا شيء يعدل حياة البشر وصحتهم.