في الحين ذاته الذي كان فيه طلاب العصور الوسطى يتوافدون إلى المدارس العقائدية كان رجال آخرون يلجؤون إلى الوديان الظليلة ليتعلموا فيها العلم الوحيد الذي كان يبدو لهم جديراً بأن يكون مرغوباً آنذاك هو علم الاكتمال وكان ذلك هو أصل الفكر الذي كانت تتصف به المدرسة السيسترسانية التي نشأت في سيتو عام 1098 والتي ارتبط نموها وظهورها بالمفكر برنار دي كلير فو فقد طبعت شخصية هذا المفكر عصره بحيث تستحيل محاذاة القرن الثاني عشر دون مواجهة صورة هذا المصلح الكبير الذي كان بمثابة قائد للجماهير إضافة إلى عمله كمستشار للباباوات والملوك إلا أن هذا المفكر وبالرغم من مكانته العلمية شن هجوماً قاسياً على الفلسفة ولم يكن للفلاسفة نصيب كبير عنده من التقدير الحقيقي للعلوم التي قدموها كباقي أقرانه من المفكرين وعلماء اللاهوت إلا أنه بقي متمسكاً ببعض الجوانب الأدبية إضافة إلى الجوانب الخطابية، وكانت نزعته الدعوية هي العودة إلى البساطة في مجال المثل الأعلى الإنجيلي، وفي مجال الفن المقدس كان يدعو إلى التزهد، وأما في مجال المعرفة فأراد العودة بالفكر إلى التأمل بموضوعه وغرضه الأول، وبالتالي وبحسب تقدير النقاد إذا كان برنار مفكراً لاهوتياً فهو لاهوتي بمعنى مختلف تماماً عن المعنى الذي يتم إعطاءه عادة لهذه الكلمة منذ عهد الفيلسوف أبيلار كما أنه وبحسب النقاد إن أجمل عنوان لمجده أي لمجد برنار هو السلك السيسترسياني لأن تلك المدرسة بحسب وصفهم قدمت للثقافة خدمات كبيرة.