استغل منظرو الليبرالية الجديدة في الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية حالة الاستيلاب العقلي والنفسي التي تكرست عبر الترويج للحريات الليبرالية المنفلتة أصلاً من أي ضوابط مجتمعية لطرح مفاهيم اقتصادية هدفها تدمير المؤسسات الاقتصادية في الدول.
الأفكار التي طرحها أولئك المنظرون تقوم بشكل أساسي على قيام الدولة بتفويض أصحاب رؤوس الأموال بسلطاتها الاقتصادية عدا عن تحييد عمل النقابات ودور الجامعات وغيرها تحت مزاعم واهية وتسعى إلى إرساء ما يسمى “معرفة سلطوية جديدة” تشمل زج الثقافة والسياسة ففي خدمة الترويج للاقتصاد الجديد وطروحاته الهدامة لمصلحة رؤوس الأموال الغربية المنتجة وجعل أسواق بقية دول العالم مستهلكين لها.
ويشير جيمس غالبريث العالم الاقتصادي الأمريكي المعروف إلى أن الليبرالية الجديدة أسهمت في نشر علاقات اقتصادية مشبوهة في الأسواق قائمة على النهب والاستغلال ويقول: إن الاستمرار في هذا النهج سيؤدي بوحشيته غير المنضبطة إلى تقويض أسس الحضارة البشرية برمتها وليس الاقتصاد العالمي فقط.
أحد الباحثين يعرف الليبرالية الحديثة في شكلها الاقتصادي بالقول: ما يتم عرضه هو تحويل العالم إلى مركز تجاري كبير حيث يمكنهم شراء حتى البشر فيه بمن فيهم العمال والمهاجرون وربما الأطفال أو حتى بلد بأكمله مثل المكسيك.
ويقول مراقبون: إن هذه السياسات والطروحات الليبرالية المعلبة تقدم وصفة جاهزة لتفكيك المجتمعات وتدمير بناها الأساسية عبر إنهاء دور الدولة وضرب المرجعيات الثقافية والفكرية والدينية فيها وفتح المجال واسعا أمام الفوضى وسيادة الشركات ورأس المال المتغول تحت شعار “حرية السوق” والوصول إلى المال بأي وسيلة ممكنة.
وفي هذا السياق يقول الاقتصادي الألماني هورست أفهيلد في كتابه “إقتصاد يغدق فقراً”: إن النظام الليبرالي المحدث لا يتصف بجدارة تذكر إنه اقتصاد غير مجد حيث خدرت الليبرالية الحديثة على مدى جيل كامل مشاعر الكثير من شعوب العالم بوعود براقة وبشائر كاذبة تزعم أن تفاقم البؤس وتزايد عدد الفقراء ليس سوى حالة عابرة على درب الرفاهية التي سينعم بها مجموع المجتمع… لكن الوقائع الاقتصادية المحققة دحضت هذه المزاعم فهذه العقيدة أفرزت اليأس والقنوط والعنف والإرهاب… بهذا المعنى فإن الزعم بأن الليبرالية الحديثة خير وسيلة لتسريع ارتفاع النواتج القومية في العالم ليس سوى خداع للشعوب.
وفي منطقتنا العربية بدأت “الليبرالية الحديثة” في التسرب مع مطلع تسعينيات القرن الماضي عبر عدد من المبهورين بالنموذج الأمريكي الذين قدموا مجموعة من الطروحات التي تتناقض مع القيم المجتمعية والفكرية والموروث الاجتماعي العروبي والإسلامي في تناغم واضح مع السياسات التي تبناها المحافظون الجدد في الولايات المتحدة بذريعة مكافحة الإرهاب كما شنوا هجوماً شرساً على العروبة بمختلف أبعادها الحضارية والفكرية ما يجعل مواجهة هذه النظرية الهدامة واجباً على كل الجهات الفاعلة في المجتمع.