رغم التظاهرات التي تنظمها جمعيات نسائية وحقوقية بشكل مستمر، لا تزال موريتانيا تعاني من انتشار واسع لظاهرة اغتصاب النساء والأطفال، والتي تزايدت مؤخرًا بشكل ملفت.
وقالت الجمعية الموريتانية لصحة الأم والطفل، إن عام 2020، الذي اتسم بجائحة كورونا، شهد تضاعفا في عدد حالات العنف الجنسي في البلاد.
وقال مراقبون إن "انتشار الظاهرة يأتي لعدة أسباب أهمها العادات وتستر العائلات، والأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي صاحبت جائحة فيروس كورونا، وكذلك غياب القوانين الرادعة".
معدلات مرتفعة
وبحسب الجمعية، فقد سجلت موريتانيا في العام الماضي أعلى رقم لضحايا الاغتصاب منذ العام 2002، حيث تم تسجيل 1269 حالة عنف خلال العام المنصرم، 351 منها ضحايا اغتصاب.
وأشار التقرير إلى أن الجمعية سجلت 14 حالة اعتداء جنسي للفئة العمرية أقل من 5 سنوات، و62 حالة للفئة ما بين 11-16 سنة، و129 حالة للفئة 16-18 سنة، بينها 21 حالة اغتصاب للأطفال الذكور.
وقالت الجمعية الموريتانية لصحة الأم والطفل إن "العنف الموجه ضد النساء والأطفال، يتم التكتم عليه في موريتانيا، حيث تعتبر العادات والتقاليد وثقافة المجتمع أخطر ما يغذي هذه الظاهرة بأصنافها المتعددة".
كما شددت الجمعية على أنه "من الملح العمل على تغيير العقليات، من أجل أن تكون حقوق المرأة والطفل محمية، ولكي يحترم المجتمع تلك الخصوصية".
أسباب الزيادة
سهام حمادي، منسقة برنامج الحماية في الجمعية الموريتانية لصحة الأم والطفل، قالت إنه:" منذ سنوات ومعدلات ظاهرة الاغتصاب في زيادة ولكن هذه السنة كانت الأكثر سوءًا لأن الأزمة الصحية العالمية لجائحة كورونا زادت من معدلاتها".
وأضافت في تصريحات لـ "سبوتنيك"، أن "التقرير السنوي الذي أظهرته الجمعية الموريتانية لصحة الأم والطفل فرع الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال في موريتانيا أظهر أن هذه السنة شهدت تزايدًا مخيفا في معدلات العنف الجنسي الاغتصاب ضد الأطفال والنساء، حيث سجلت 351 حالة اغتصاب في هذه السنة كأكبر حصيلة تسجلها الجمعية منذ عام 2002".
وأكدت أن "الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التى خلفتها جائحة كورونا زادت من معدلات العنف الموجه ضد النساء والأطفال بانتشار الفقر والتسرب المدرسي وزيادة معدلات الطلاق والعنف الأسري، والجسدي والجنسي".
وتابعت: "بالنسبة لظاهرة الاغتصاب فإن تكتم المجتمع على الظاهرة وخوف الضحايا من وصمة العار يجعل إحصاء جميع الحالات أمرا صعبا ويجعل حقوق الضحايا تضيع".
وأشارت إلى أن "الحكومة الموريتانية صادقت في السنة الماضية على مشروع قانون متعلق بحماية النساء والفتيات من العنف، هذا القانون الذي من شأنه أن يكون أداة لعقاب المغتصبيين ونص على حماية النساء والأطفال وتقديم المساعدة النفسية والاجتماعية والقانونية والحد من الظاهرة".
وأكملت: "لكن البرلمان الموريتاني لم يصادق عليه لحد الساعة وقد سبق وأن رفضه مرات عدة لتذرعهم أن هناك بنودًا مخالفة للشريعة الإسلامية وهذا ما يثير الجدل، هل الحكومة الموريتانية جادة في تمرير القانون أم لا؟".
وبينت أن "البلاد شهدت الكثير من التظاهرات والوقفات والمسيرات المناهضة لظاهرة الاغتصاب والمطالبة بالمصادقة على قانون حماية النساء والفتيات وإنصاف الضحايا".
قوانين غير رادعة
من جانبه قال الدكتور، أباب ولد بنيوك، عضو مجلس النواب الموريتاني، إن: "الفترة الأخيرة شهدت زيادة ملحوظة وانتشارًا كبيرًا لظاهرة اغتصاب النساء والأطفال في موريتانيا".
وأضاف في تصريحات لـ "سبوتنيك"، أن "السر وراء هذا الانتشار الكبير هو غياب القوانين الرادعة لمرتكبي هذه الجرائم، حيث لم تعد القوانين التي تنظم التعامل مع تلك الظاهرة كافية ورادعة".
وتابع: "بالإضافة إلى ذلك فإن المؤسسات والجمعيات الناشطة في هذا المجال رغم الجهود التي تبذلها، إلا أنها لم تقم بالدور المنوط بها بشكل كامل وكافي لمواجهة هذه الظاهرة وتوعية النساء والأطفال وكذلك العائلات على التعامل معها".
وأشار إلى أن "غالبية هذا النوع من الظواهر، بفعل العادات والتقاليد والأعراف والتخوف من الفضائح يتم التستر عليها بين العائلات وبعضها البعض، وحلها بشكل ودي دون أن تمر إلى العدالة والقضاء".
وأوضح أن: "هناك الكثير من الأمور المعيقة لمعالجة هذا النوع من الظواهر، والتي ترتبط بشكل كبير بالمجتمعات، ولذا لابد من تذليل تلك العقبات أولًا، ومن ثم الشروع في مواجهة الظاهرة بقوانين رادعة وكافية".
مراجعة مطلوبة
بدورها قالت مريم بنت النيني، الناشطة السياسية والحقوقية الموريتانية، إن: "الدولة شهدت العديد من الوقفات الاحتجاجية والتظاهرات، التي نظمتها بعض الجهات الحقوقية، والجمعيات المعنية بشأن المرأة، بسبب ظاهرة الاغتصاب".
وأضافت في تصريحات سابقة لـ "سبوتنيك"، أن "موريتانيا تشهد تنامي ظاهرة الاغتصاب وتفشيها بشكل مبالغ فيه بين الموريتانيين، بسبب شذوذ بعض الرجال هناك، المرضى بداء الاغتصاب".
وأكدت أن "القوانين في موريتانيا ليست رادعة، وغير كافية لمواجهة مرتكبي هذه الجرائم الخطيرة، وهذا من أهم أسباب تفشي هذه الظاهرة في البلاد، وعدم التمكن من القضاء عليها أو مواجهتها والتخلص منها".
وتابعت: "القوانين في موريتانيا تحتاج لمراجعة، وتدخل نيابي لتعديلها، بحيث تكون حازمة لكل من تسول له نفسه ارتكاب جريمة الاغتصاب، فالنصوص القانونية الحالية غير رادعة، والعقاب الموقع ليس كافيًا".
وشهدت موريتانيا مؤخرًا عدة وقفات احتجاجية لنشطاء يطالبون بوقف الاغتصاب، من خلال سن قانون لتجريمه وحماية النساء.
وقبل عامين، وقع مئات الموريتانيين على عريضة إلكترونية تطالب بإجراء تعديلات على قانون تجريم الاغتصاب، وذلك بسن نصوص تحث على "استخدام وسائل طبية حديثة لإثبات جريمة الاغتصاب، وعدم التعامل مع هذا الجرم كحالة زنا ومع الضحية كمشتبه بها".
وتحدد المادة 24 من القانون الجنائي الموريتاني للطفل عقوبة الاغتصاب من 5 إلى 10 سنوات في حين يحدد القانون الجنائي عقوبة الاغتصاب للبالغ بالأشغال الشاقة المحددة أقصى عقوبة لها 20 سنة.