علاقاتي بفاتح أغسطس، تحتم علي تخليده كل ما حل، فقد كان تاريخ ولوجي لعالم الصحافة 1976 وكان تاريخ اعتزالي لها 2014، وقد قررت تخليده هذه السنة 2021 باعادة نشر أسباب اعتزالي للصحافة 2014 وذلك ردا على من يلحون علي دائما بالعودة إلى العمل الصحفي.
وهذه هي الأسباب التي بررت بها قراري بالاعتزال:
《لهذه الأسباب اعتزلت الصحافة/ مامونى ولد المختار
ليس هناك أصعب علي المرء من لحظات الاقلاع عن أغلى هواياته بعد الادمان عليها 38 سنة دون انقطاع عنها ولو ساعة واحدة، ولم أكن أتمني أن تأتي لحظة الاقلاع في نفس اليوم الذي بدأت فيه ممارسة هذه الهواية منذ 38 سنة.
ولكنها الظروف وإكراهاتها، خاصة عندما تكون هناك أطراف اخرى وأسباب عديدة تدفعك باتجاه أخذ هذا القرار مكرها لا بطل.
اليوم فاتح أغسطس 2014 و بعد تمحيص دقيق لتجربتي المهنية في الصحافة، خلال 38 سنة وما تعرضت له خلالها من ظلم وحيف لأنني اخترت أن أكون حرا شريفا زادي هو الإيمان بالله وعدم السجود الا له، قررت أن تنتهي علاقتي بالصحافة وأن أعتزلها بعد ادمان عليها دام 38 سنة بأيامها ولياليها وشاء القدر أن يكون لهذا التاريخ ثلاث مدلولات:
- الاول: كونه اليوم الذي التحقت فيه بالصحافة 1976،
- الثاني: مصادفته لليوم الاول من الاسبوع الأول من شهر أغسطس الذي عرفت فيه موريتانيا أشهر انقلابين (3/8/2005 و 6/8/2008) على الحكم. وبما ان قراري بالاعتزال هو انقلاب على ارادتي وعلى ذاتي كان هذا هو زمانه المناسب،
- والمدلول الثالث كونه اليوم الموالي لخلافة محمد ولد عبد العزيز لنفسه في مأمورية ثانية من حكم البلاد مدتها خمس سنوات تعهد بأنه سيكرسها لتوطيد سياساته في مأموريته الأولى، وهو ما يعني بالنسبة لي ديمومة الفصل التعسفي الذي كان نصيبي من مأموريته الأولى، حيث أمر به شخصيا في منتصفها.
وفي الوقت الذي سأعتزل فيه الصحافة، أؤكد علي اعتزازي بها وأنني عملت طيلة حياتي مؤمن بأنها طريق للحرية وإنارة الرأي العام ولنصرة الحق والمظلومين والمستضعفين وليست مهنة التكسب المادي وقررت أن أسلكها وأجد السير متحديا كل الصعاب، لأقطع أطول مسافة على جادة الحرية، قبل وصولي الي نقطة النهاية، لأن لكل رحلة نهاية، بما في ذلك رحلة الانسان في الحياة وها أنا وصلتها وسأترجل مرهقا من وعثاء سفر لم يكن مريحا ولا مفروشا بالورد في أغلب مسالكه، إن لم تكن كلها وخاصة بعد أن غيبت الظروف عن صحبتي من ألفتهم وتعلمت منهم وكانوا أهلي وصحبي وعشيرتي من أمثال: محمد ولد بابتة، الخليل النحوي، العالم ولد أحمد خليفة، المرحوم حمود ولد حادي, سيدينا ولد اسلم، يسلم ولد ابن عبدم، عبد الله السيد، أحمد ولد المصطفي، الشيخ بكاي، باب الغوث، اعل ولد عبد الله، حمزة ولد سيدي حمود، عبد الله ولد اسباعي، الشيخ ولد أداعه وغيرهم من رعيل الصحافة قبل ظهور صحافة النسخ واللصق المسيطرة اليوم علي المشهد الإعلامي, الذي لم يعد لي فيه أنا وهؤلاء مكانا وذلك من الأسباب التي دفعتني إلى أن أقرأ الواقع وأقرر الاعتزال بيدي لا بيد عزير.
وخلال هذه الرحلة عايشت جميع الأنظمة في موريتانيا وتعرضت للاعتداء الجسدي واللفظي وللفصل من العمل وتعرضت للتهديد بالقتل أكثر من مرة ولحملات تشويه شرسة من كافة الطيف السياسي المتعاقب على الساحة الوطنية منذ أربعة عقود تقريبا وتعرضت للظلم من جميع الأنظمة، كل ذلك بسبب تمسكي باستقلاليتي عن الجميع وقناعتي بأن الصحافة رسالة أكثر منها مصدرا للقمة العيش.
وقد دفعني إيماني الراسخ بهذا المبدأ إلى المثابرة طيلة مساري المهني على رفض جميع الاغراءات المادية والتموقع، زادي في ذلك أن الله اقتلع من قلبي الخوف من جميع المخلوقات، كما حرصت على المحافظة على الحد الأدني من المهنية والموضوعية وعفة القلم واحترام ثنائية قدسية الخبر وحرية الرأي والإصرار على نشر الحقيقة كاملة حسب المتاح من الحرية لذلك ولم أساوم مطلقا على قناعاتي وعلي أن تكون معالجاتي الصحفية، مهما كنت، وفية للنزاهة ، صديقة للصراحة ، عاشقة للشجاعة وقد دفعت ثمن ذلك وتحملت العواقب بصدر رحب وبهمة عالية .
ومن أبرز الشواهد على ذلك صمودي المتواصل للعام الثالث من الفصل التعسفي والحرمان من جميع الحقوق وسدت أمامي جميع أبواب الدعم لموقع "ديلول" منذ أطلقته قبل 15 شهرا والذي عندما أضافه صديق لي للائحة مجموعة من المواقع طلب منه مدير مؤسسة كبيرة من تلك التي تنهب ثرواتنا، اعدادها لمساعدتها بمناسبة نهاية السنة الماضية، غضب عليه غضبا شديدا على إضافة موقع لشخص غاضب عليه ولد عبد العزيز وخط على اسمه "ديلول" بقلم أحمر.
كل هذا لم يدفعني لحظة واحدة للتفكير في التنازل عن قناعتي ولم تدفعني حاجة رب أسرة مفصول عن العمل أمام عياله في وجه العيد في زمن عزيز الرديء، إلى قبول عرض من العروض التي تقدم لي بين والفينة والأخرى لتسوية قضيتي وإعادتي إلي عملي وزيادة والتي أذكر منها، عرضا قدم لي أثناء حرق بيرام ولد الداه للكتب، يطلب مني أن أكتب مقالا أربط فيه بين تواصل وبيرام وهو ما رفضته دون تردد.
عندما اعلنت على صفحتي في الفيس بوك قبل اسبوعين، قرار اعتزالي انهالت على طلبات كثرة من شخصيات وطنية وأجنبية، أجلها، تلح علي بعدم تنفيذ قراري، فمنهم من ألح علي عن طريق الهاتف ومنهم من أرسل لي رسائل الكترونية ومنهم من طلب ذلك مني وجها لوجه ومنهم من عبر لي عنه كتابيا مثل ملهمي في العفة وقدوتي في المهنية والمثابرة ورفيق دربي، عبد الله السيد ومنهم المختار ولد بابتح، الذي هو من الشباب الذين يعول عليهم في مستقبل زاهر للصحافة.
وكان بودي أن تكون لدي امكانية تلبية طلباتهم إلا أن السيف كان قد سبق العدل، لأن القرار سبق أن اتخذته تلبية لرغبات من رغباتهم أذوب أنا وقناعاتي والصحافة والدنيا ومن فيها أمامهم وهم أسرتي، أولادي وأمهم، التي براتبي وراتبها كمعلمة استطاعت أن تساعدني به على مدي ثلاثة عقود، لم أتحمل فيها يوما واحدا هم الاسرة لا في العيد ولا في أي وقت ولم تمد الي يدها يوما تطلب مني أي شيء واستطاعت بهذين الراتبين الزهيدين أن تجعلنا نعيش أسرة سعيدة قانعة بما لديها عن ما لدى الآخرين، مؤمنة بأنه لا ضار ولا نافع إلا الله وأن الخوف من الله والملجأ إليه.
هذه الزوجة الصالحة هي التي منحتني القوة علي تحمل الظلم والحيف وأن أكون قويا أمام الجميع وعندما أخبرتها بأن الأمور تتجه إلى فصلي من العمل قبل اتخاذ القرار به، قالت لي حرفيا: "كل ما أطلب منك هو أن لا تتخذ أي موقف سيعير به أبناؤك, أما قضايا معاشنا فلا تهتم بها الله كفيل بها" وعندما استلمت قرار الفصل التعسفي بسملت خمس مرات وجعلتها مكان راتبي الذي كنت أسلمه لها كل شهر خلال الثلاثين سنة الماضية وقالت لي عوضنا الله خيرا منه.
هذه الزوجة والأبناء هم من طلبوا مني اعتزال الصحافة وأن أستريح منها وقد استجبت لرغبتهم وذلك هو أبسط حقوقهم علي، خاصة أن سني والظروف العامة للصحافة في موريتانيا عوامل لاتشجع علي الاستمرار في الصحافة، التي اصبحت مهنة من لا مهنة له وأصبح الانتماء اليها وصمة عار، إضافة إلي كون التعبير فيها عن الرأي او نشر الحقيقة من مسببات الضرر للناشر.
واليوم فاتح أغسطس 2014، أكملت 38 سنة في الصحافة، لم أتذكر أنني أخلفت وعدا أو خنت عهدا ولم أقف موقفا لايمكنني الدفاع عنه بكل جرأة ولم أسعي مرة واحدة لحجب حقيقة ولا لتحريفها ولم أقف أمام باب طمعا ولا خوفا.
واليوم فاتح أغسطس 2014، أعتزل الصحافة وأنا باستطاعتي أن أسير في جميع شوارع العالم مرفوع الرأس لا اشعر أبدا بأنني قد سببت ضررا لأي مخلوق في حياتي ولا ابالي بصورتي في مخيلة الآخرين، خاصة أصحاب النفوس المريضة الذين مردوا علي سوء الظن بالآخرين وعلي تطبيق ما يعرفون في أنفسهم علي غيرهم.
واليوم فاتح اغسطس 2014، أعتزل الصحافة بعد 38 سنة، خرجت منها بنتيجة واحدة، هي أن الاستقلالية في موريتانيا ضريبتها باهظة لان صاحبها يعتبر خارج نظم الحماية القبلية أو الطائفية أو الحزبية أو الحركية، وبالتالي يكون موضع شك من طرف الجميع.
وقد اكتويت إلي أن احترق جلدي بنيران الاستقلالية، التي حافظت عليها طيلة 38 سنة في ظل جميع الأنظمة التي تعاقبت علي البلاد منذ 1976، حيث يعترف الجميع بمهنيتي وبتفاني في العمل الصحفي، ومع ذلك لم أحصل علي ابسط ما يحصل عليه غيري من تعيينات وامتيازات وحتي من سلامة بدني واستمراري في وظيفتي.
اليوم فاتح أغسطس 2014، أعتزل الصحافة وأقول لمن يتطلع إلي وجهتي، إنني ذاهب إلي بيتي والبقاء الي جانب افراد أسرتي الذين كنت آثر عليهم مهنتي، التي أعتزلها وأعتذر لها عن أي تقصير في حقها طيلة معاشرتها 38 سنة وأطلب منها أن تسامحني وتصفح عني وأنها ستظل في وجداني وأتمني لها عشرة تحقق لها ما لم استطع أن أحققه لها أنا مع أنني لم أتعمد يوما التقصير في حقها.
واليوم فاتح أغسطس 2014، أعتزل الصحافة متمنيا لها التقدم والنجاح وأن تكون سلطة رابعة فعلا لاقولا وتمني للاعلام الموريتاني ان يتغلب علي الثالوث الذي يعاني منه وهو: الجهل والتعصب والفقر.
ولو نعطى الخيار لما افترقنا ///// ولكن لاخيار مع الزمان
وداعا