كشفت صحيفة لوموند الفرنسية أن قوات فاغنر الروسية الخاصة التي وصلت إلى مالي، استقرت منذ نهاية شهر يناير الماضي في معسكر للجيش المالي يقع في المنطقة الإدارية “نيونو” وسط البلاد، تحول إلى مركز للتعذيب.
يتهم الجيش المالي وقوات فاغنر الروسية الخاصة بارتكاب تجاوزات ضد المدنيين، مستخدمة الأسلاك الكهربائية وأدوات أخرى للتعذيب، كما هو الحال، مثلا، مع أحد مربي المواشي من الفلان، تم اعتقاله في شهر فبراير الماضي. وكان يوجه إليه السؤال نفسه مع كل عمل تعذيب: أين الإرهابيون؟ فيرد الضحية مكررا: “لا أعرف”.
وبحسب شهادة هذا الأخير، التي جمعها في الميدان أحد المدافعين عن حقوق الإنسان والتي تمكنت “لوموند” من الوصول إليها قبل التحقق من التفاصيل مع مصادر دولية ومحلية، تولى الاستجواب ثلاثة رجال: “رجل أبيض يتحدث لغة غير معروفة، وكذلك جندي ومترجم مالي”.
ويروي الراعي كيف أن الأجنبي الذي كان يرتدي “نفس زي القوات المسلحة المالية، أجبره على شرب الكثير من الماء قبل أن يقوم الجندي المالي بربط سلك كهربائي حول أصابع قدمه وتمرير التيار عدة مرات حتى أغمي على الشاب”.
ويتابع الشاب: “بعد ذلك، قيد الرجال الثلاثة قدمي ويدي وعلقوني بالمقلوب. وأخرج الجندي المالي سكينا وقال لي سنقتلك، لكن الأجنبي قال لهم اتركوه فليس لديه معلومات. ليتم إطلاق سراحي بعد ذلك”.
في وسط البلاد، تتابع “لوموند”، يقول أكثر من عشرة مدنيين إنهم تعرضوا للتعذيب على أيدي القوات المسلحة المالية والمساعدين الأجانب. وروى راعٍ آخر، احتُجز في فبراير، للمدافع عن حقوق الإنسان المذكور أعلاه أنه “تعرض لغرق وهمي، حيث تم تغطية أنفه وفمه بمنشفة وألقى الجنود دلاء من الماء على وجهه”.
وأضاف الراعي: “ثم صدمني رجل أبيض وسألني عن مكان تمركز الجهاديين”. تُظهر صورة حصلت عليها صحيفة “لوموند” ظهرا ممزقا، مع أكثر من اثني عشر جرحا، لرجل ماليٍ آخر، يؤكد أنه تعرض للتعذيب على أيدي القوات المسلحة المالية وأعوانهم الروس في هذه القاعدة العسكرية.
حصلت “لوموند” على نسخة من تقرير أشارت إلى أنه سيُنشر يوم الثلاثاء 15 مارس الجاري من منظمة هيومن رايتس ووتش، تكشف فيه المنظمة عدة شهادات من سكان وسط مالي الذين يزعمون أيضا أنهم كانوا ضحايا لانتهاكات الجيش المالي وجنودا “بيض”. في إحدى هذه الشهادات، يؤكد أحدهم أنه كان محتجزا في مخيم ديابالي في بداية مارس الجاري، و”رأى جنوداً يُخرجون نحو ثلاثين رجلاً من زنزانتهم أثناء الليل، والذين كسرت أذرعهم وأرجلهم، قبل وضعهم في الشاحنات”.
في اليوم التالي، على بعد حوالي عشرة كيلومترات، تم اكتشاف ما لا يقل عن 35 جثة بالقرب من قرية دانغويري ووتورو. أخبر ثلاثة من أقارب الأشخاص الذين فُقدوا بعد اعتقالهم من قبل الجيش المالي، المنظمة غير الحكومية أنهم تعرفوا على بعضهم في هذه المقبرة الجماعية. تظهر مقاطع الفيديو التي حصلت عليها صحيفة “لوموند” عشرات الجثث المتفحمة، وبعضها مقيد اليدين ومعصوب العينين.
كانت الجثث ملقاة في مجموعات تحت الأشجار في الشمس. يبدو أن رؤوس البعض قد أصيبت بالرصاص، والبعض الآخر كان لديه ثقوب في صدورهم. وبحسب المنظمة غير الحكومية، فإن هذه هي “أخطر مزاعم تورط جنود الحكومة منذ عام 2012”.
وتعرفت عدة مصادر على “الجنود البيض” الذين تم الاستشهاد بهم على أنهم مرتزقة المجموعة الروسية، الذين تم إرسال ما يقرب من ألف عنصر منهم إلى الوسط والشمال المالي لدعم الجيش في قتاله ضد الجماعات الجهادية التي استمرت في بسط سيطرتها منذ عام 2012.
لكن المجلس العسكري الحاكم منذ الانقلاب المزدوج في أغسطس 2020 ومايو 2021 استمر في إنكار وجود أعضاء فاغنر في البلاد– المتهمين بالفعل بارتكاب انتهاكات عديدة في جمهورية إفريقيا الوسطى وفي ليبيا- مؤكداً أنه تم نشر المدربين الروس العاديين فقط في إطار تعزيز الشراكة العسكرية بين باماكو وموسكو. وسار تقارب، بحسب السلطات المالية، لتعويض الفراغ الأمني الذي أحدثه انتهاء عملية مكافحة الإرهاب الفرنسية “برخان” في مالي.