لقد اتصل بي في الفترة الأخيرة عدد كبير من الأصدقاء والقراء، البعض كان مستفسرا، والبعض الآخر كان منتقدا لمشاركتي في ما بات يعرف بمشروع الميثاق الوطني للشباب الموريتاني، ونظرا لطبيعة تلك الاتصالات ولمكانة الأشخاص الذين اتصلوا فقد ارتأيت أن أتقدم للجميع بجملة من الإيضاحات،
وهي إيضاحات يبدو أن تقديمها قد أصبح ضروريا، وخاصة في مثل هذا الوقت بالذات.
(1)
بدءا لابد من الاعتراف بأني على وشك "التقاعد" أو الخروج من شريحة الشباب، وحتى من مجالها الواسع الذي يتيح لمن تقدم بهم السن من أمثالي أن ينتسبوا لهذه الشريحة، ولذلك فأنا في سباق مع الزمن من أجل أن أشارك في أي جهد يمكن أن يحد من غياب أو تغييب هذه الشريحة الهامة من دائرة التأثير.
(2)
أود أن أبين هنا، وهذا أخص به أصدقائي وقرائي المعارضين، بأنه لما أتيحت لي الفرصة لأن أكون عضوا في اللجنة التحضيرية التي تم تكليفها بالإعداد للأيام التشاورية والتي انبثق عنها فيما بعد المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة، لما أتيحت لي العضوية في تلك اللجنة فقد حرصت على أن يشرك الشباب في هذا الكيان الجديد الذي سيظهر، وأقولها للتاريخ فقد كان رئيس اللجنة التحضيرية هو أكثرنا تحمسا لإعطاء مكانة لائقة بالشباب في المنتدى..وفي هذا الإطار فقد تم الاتصال بحركة 25 فبراير، وقد كانت ممثلة في اللجنة التحضيرية، ولقد أصررنا في اللجنة التحضيرية أن يكون ممثلها حاضرا في كل تفاصيل المرحلة التحضيرية، وأن تكون الحركة ممثلة في المنصة الرسمية، وأن يكون لها الدور الفاعل في افتتاح واختتام وإدارة الأيام التشاورية. هذا ما كان مبرمجا، ولكن الحركة أعلنت عن انسحابها في اللحظات الأخيرة من هذا المشروع، وذلك لأسباب مفهومة تتعلق برؤية وفلسفة هذه الحركة الشبابية.
(3)
منذ تأسيس المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة وزملائي في قطب المجتمع المدني يصرون ـ ولثقة لا أستحقها ـ على أن يدفعوا باسمي في كل الأمانات التنفيذية التي تم تأسيسها منذ ميلاد المنتدى باستثناء الأمانة الأولى. وفي الأمانة التنفيذية الثانية تم تكليفي بملف الشباب، ولقد دعوتُ حينها لتأسيس تجمع شبابي يضم كل الشباب المعارض على أن يؤسس هو بدوره منتدى شبابيا خاصا به، يجمع بين المنظمات الشبابية للأحزاب المعارضة، والمنظمات والحركات الشبابية المستقلة، بالإضافة إلى الشباب المستقل والناشط افتراضيا وميدانيا، وكان يمكن لهذا التجمع ـ لو أنه كان قد تأسس ـ أن يشكل تكتلا فاعلا ومؤثرا للشباب المعارض، وكان يمكن لهذا التجمع أن يشكل كذلك قطبا جديدا بالمنتدى، وأن يكون لهذا القطب الشبابي نفس الصلاحيات التي تمتلكها بقية الأقطاب الأخرى المشكلة للمنتدى.
وأذكر أننا حينها عقدنا سلسلة من الاجتماعات في مقر حزب اللقاء، وقد حضر هذه اللقاءات عدد هام من خيرة الشباب المعارض، ولكن في النهاية اضطررت أن أوقف تلك المحاولة وذلك بعد أن نبهني رئيس منظمة شبابية لواحد من أهم الأحزاب المعارضة في المنتدى بأن منظمته الشبابية لن تشارك إطلاقا في هذا التجمع الجديد. لقد أوقفت المحاولة، وذلك على أساس أن وحدة المنتدى وتماسكه كانت بالنسبة لي ـ ولا تزال ـ أولوية تأتي قبل أي شيء آخر.
والآن يمكنني أن أقول بأن المنتدى هو من أهم الأفكار التي أبدعتها العقول المعارضة في السنوات الأخيرة، ولأنه لا توجد فكرة كاملة، فإن هذا المنتدى ما يزال يعاني من عدم قدرته على استقطاب الشباب المعارض سواء منه ذلك الذي ينتمي للأحزاب المعارضة المنخرطة في المنتدى، أو ذلك الشباب الذي يعارض من خارج تلك الأطر الحزبية.
(4)
ليس هناك أي احتمال، حتى ولو كان ضعيفا، لأن يشارك كاتب هذه السطور في أي حوار جزئي لا يحضره المنتدى ككتلة سياسية، ويمكنكم أن تتوقعوا مشاركة كل الأسماء في المنتدى، ولكن عليكم أن لا تتوقعوا أبدا مشاركة كاتب هذه السطور في أي حوار جزئي، لا تحت مظلة الميثاق الوطني للشباب الموريتاني، ولا تحت أي مظلة أخرى..هذا التعهد أقوله صراحة وفي مقال منشور، وذلك لأتيح لكل القراء إمكانية أن يحاسبونني حسابا عسيرا إن أنا أخللت مستقبلا بهذا التعهد.
(5)
لا يعني التعهد السابق بأني لستُ من المتحمسين للحوار، فأنا من أشد المتحمسين للحوار الجاد والشامل، وذلك لاعتقادي بأنه هو المخرج الآمن والوحيد من هذه الأزمة السياسية التي تتخبط فيها بلادنا. ولأني من المؤمنين بأهمية وضرورة تنظيم حوار جدي وشامل فإني لن أبخل بأي جهد يمكن أن يساهم في تنظيم مثل ذلك الحوار الجدي والشامل. بل وأكثر من ذلك فإنه يمكنني أن أقول بأني ومنذ فترة من الزمن، وأنا أشتغل ـ رفقة آخرين ـ على صياغة وتأسيس مبادرة غير تقليدية ستسعى إلى جمع الأطراف على طاولة حوار جدي وشامل.هذه المبادرة قد ترى النور في الأسابيع القادمة، وعموما فإنه لن يعلن عنها إلا إذا فشلت كل الوساطات الحالية، وفشل هذا الحراك الحالي في جمع الأطراف على طاولة حوار جدي وشامل.
(6)
فيما يخص مشروع الميثاق الوطني للشباب الموريتاني فهو لم يتأسس من أجل الحوار، وإنما تأسس من أجل تحقيق ثلاثة أهداف كبرى تم الإعلان عنها في البيان التأسيسي لهذا المشروع، وهذه الأهداف الثلاثة هي :
1 ـ إصدار وثيقة وطنية باسم الشباب الموريتاني
2 ـ تأسيس تجمع شبابي يعنى بمتابعة تلك الوثيقة، وبالعمل من أجل تنفيذ المطالب والإصلاحات التي تضمنتها.
3 ـ العمل من أجل أن يكون هذا التجمع حاضرا وبقوة في المشهد السياسي الموريتاني.
هذه الأهداف المشتركة، والتي تهم كل الشباب الموريتاني سواء كان معارضا أو مواليا أو مستقلا هي التي سيشتغل عليها الميثاق الوطني للشباب الموريتاني في الفترة القادمة، وبالمناسبة فإن مشروع الميثاق الوطني للشباب الموريتاني يحترم لكل أعضائه خياراتهم السياسية، فالشاب المعارض سيبقى له الحق في أن يمارس معارضته للسلطة عبر القنوات المعهودة لذلك، والشاب الموالي سيبقى له الحق في أن يعبر عن دعمه للسلطة عبر القنوات المعهودة، وسيبقى للشاب المستقل الحق ـ كل الحق ـ في أن يعبر عن سخطه وعن انتقاده للمعارضة وللموالاة معا. سيبقى لكل شاب الحق في أن يعبر عن آرائه وعن خياراته الشخصية، ولكن في اجتماعات الميثاق الشبابي فإن تلك التخندقات يجب أن تغيب من أجل تحقيق الأهداف الكبرى للميثاق، والتي لابد وأنها ستنعكس إيجابا، إن هي تحققت، على كل الشباب، سواء منهم من كان معارضا أو مواليا أو مستقلا.
إننا في الميثاق الوطني للشباب الموريتاني لن نقبل بأن يتم استغلال هذا المشروع الشبابي الطموح في الصراعات الآنية بين السلطة والمعارضة، فنحن نعتقد بأن هذا المشروع الشبابي يجب أن يكون أسمى وأهم من ذلك، ونحن لن نقبل بأن يستغله هذا الطرف أو ذاك ..هذا ما نريده، وهذا ما نسعى إليه، وهذا ما سنعمل عليه مستقبلا.
حفظ الله موريتانيا..