لاهاي- في سابقة تاريخية، عقدت محكمة العدل الدولية في لاهاي أولى جلساتها أمس الخميس للاستماع إلى مرافعة جنوب أفريقيا ضد إسرائيل بتهمة ارتكاب إبادة جماعية في حق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة.
واعتمد الفريق القانوني لجنوب أفريقيا على انتهاك الاحتلال الإسرائيلي لاتفاقية الإبادة الجماعية لعام 1948، التي تأسست في أعقاب "المحرقة"، وتنص على منع جميع الدول من تكرار مثل هذه الجرائم، وطالب الفريق المحكمة العليا في الأمم المتحدة بإصدار أمر طارئ بتعليق الحملة العسكرية الإسرائيلية على غزة.
وأشار المحامون إلى عدد الفلسطينيين الذين استشهدوا، بسبب العدوان الإسرائيلي المستمر على القطاع منذ أكثر من 3 أشهر، والذي تجاوز عددهم 23 ألف شخص، إلى حين وقت عقد الجلسة، معظمهم من النساء والأطفال، فضلا عن أزمة النزوح وانعدام مقومات العيش الأساسية.
مظاهرة تدعم مرافعة جنوب أفريقيا أمام مقر محكمة العدل الدولية (الجزيرة)
دفاع قوي سلاحه الأدلة
وقدم المحامون أدلة على الإبادة الجماعية، تتمثل في صور الأعلام الإسرائيلية الموضوعة على أنقاض منازل المدنيين المدمرة جراء القصف العشوائي والمقابر الجماعية للفلسطينيين، فضلا عن تصريحات قادة سياسيين وعسكريين إسرائيليين.
وقالت المحامية التي تمثل جنوب أفريقيا عادلة هاشم لمحكمة العدل الدولية إن "إسرائيل انتهكت المادة الثانية من اتفاقية الإبادة الجماعية، والتي تضمنت القتل الجماعي للفلسطينيين في غزة"، مشيرة إلى أن "إسرائيل نشرت 6 آلاف قنبلة في الأسبوع، ولم يسلم منها أحد، بمن فيهم الأطفال حديثو الولادة، ووصف رؤساء الأمم المتحدة غزة بمقبرة الأطفال".
وفي مقابلة خاصة للجزيرة نت، أكد المتحدث باسم الفريق القانوني لجنوب أفريقيا زين دانغو أنهم سيقومون بصياغة مطلب فوري متمثل في "وقف إطلاق النار ووضع حد للهجمات"، فضلا عن ضرورة تدفق المساعدات الإنسانية إلى القطاع.
من جانبه، أشاد زعيم حزب العمال البريطاني السابق جيرمي كوربن بالملف "المثير للإعجاب" لأنه "تم إعداده بعناية فائقة، وتناول ما تنص عليه اتفاقية مناهضة التعذيب التي انتهكتها الحكومة والجيش الإسرائيلي"، على حد تعبيره.
وذكر كوربن، في حديثه للجزيرة نت، أن الوفد القانوني تطرق إلى "التصريحات التي أدلى بها كبار السياسيين، بمن فيهم بنيامين نتنياهو، حيث أوضحوا نيتهم طرد الفلسطينيين، وقالوا إنه لا يوجد مدنيون أبرياء في قطاع غزة".
ولفت السياسي البريطاني، الذي انضم إلى فريق جنوب أفريقيا، إلى الوضع الإنساني السيئ في القطاع المحاصر، قائلا إن "عدد الأشخاص الذين يموتون الآن بسبب الأمراض يفوق عدد الذين قتلوا جراء القنابل، هناك أزمة صحية ونفسية ستستمر لعقود قادمة".
من جهته، أكد المحامي في القانون الدولي طيب علي، الذي حضر جلسة الاستماع، قوة الدعوى التي سلطت الضوء على التفاصيل التاريخية التي أدت إلى ما نعيشه اليوم "وتكمن أهمية ذلك في تقديم فهم حقيقي لما تفعله إسرائيل بالضبط على أرض الواقع".
ووفقا للمتحدث، فقد قدم الفريق القانوني دلائل لا تقبل الشك حول الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي والدمار الذي يلحقه الجيش الإسرائيلي بالمباني السكنية ووقف المياه والمساعدات الإنسانية واستهداف المستشفيات، وهي أمور تشكل "أركان جريمة الحرب".
"ورقة ضغط ضعيفة"
من ناحيته، اعتبر الرئيس التونسي الأسبق المنصف المرزوقي أن دفاع إسرائيل سيكون ضعيفا جدا، لأنه سيستند على أمرين أساسيين، الأول هو "لعب دور الضحية" فيما جرى يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وجنوب أفريقيا أكدت أنه مهما كانت حدة الهجوم فهذا لا يمكن أن يُقابل بإبادة جماعية. أما الثاني، فسيركز على قضية "معاداة السامية"، في وقت أعرب فيه نحو 660 إسرائيليا عن دعمهم للدعوى في خطوة غير مسبوقة.
وقال المرزوقي -للجزيرة نت بعد خروجه من جلسة محكمة العدل الدولية- إن هذا الملف "يضع إسرائيل في حرج كبير، والقضاة اليوم أمام مسؤولية تاريخية، فإذا لم يأخذوا القرار الصحيح ويقوموا بالإدانة أو على الأقل طلب وقف الحرب، فإنهم سيرتكبون جريمة في حق الإنسانية بأكملها".
أما المحامي ومدير "المركز الدولي للعدالة للفلسطينيين" في لندن طيب علي، فيرى أن ورقة الدفاع عن النفس مفهوم مثير للاهتمام، فبموجب ميثاق الأمم المتحدة، يندرج الدفاع عن النفس تحت المادة (51) التي تنص على أن الدولة تستخدمه لحماية نفسها من دولة عدوانية، "لكن الوضع في غزة مختلف تماما، لأن إسرائيل هي القوة المحتلة، وأن الفلسطينيين هم الذين يدافعون عن أنفسهم"، حسب المتحدث.
وبالتالي، لا يعتمد على أن ما حدث يوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول، "مهما كان شنيعا أو سيئا"، يبرر ما فعلته إسرائيل طيلة الأشهر الماضية، واصفا العدوان الإسرائيلي بـ"الرد الانتقامي". وهنا تساءل قائلا "كيف سيكون من المنطقي أو العقلاني أن يتم الرد على مقتل 1200 شخص ـونحن نعلم أن الرقم أقل من ذلك ـ بإبادة 27 ألف شخص؟".
جيريمي كوربن دعا الولايات المتحدة وبريطانيا إلى وقف سلسلة توريد الأسلحة والدعم لإسرائيل (الجزيرة)
داعمو إسرائيل في مأزق
ورغم استمرار إسرائيل في حصد الأصوات المؤيدة لها في عدوانها المستمر على قطاع غزة، فإن المتحدث باسم الفريق القانوني لجنوب أفريقيا زين دانغو أصرّ على أن نص الدعوى قوي، وفي حال الفوز بالقضية، "ستكون إسرائيل ملزمة باحترام القانون الدولي بموجب المادة التاسعة"، حسب قوله.
وأعرب عن أمله في مساهمة الجهات الداعمة لدولة الاحتلال في تنفيذ قرار المحكمة، ومنها وقف تزويدها بالأسلحة "لأن هذا يعني في جوهره أيضا، أن تلك الدول تساعد وتحرض على عمل غير مشروع دوليا".
وفي سياق متصل، يرى زعيم حزب العمال البريطاني السابق جيرمي كوربن، أن الولايات المتحدة وبريطانيا والدول الأوروبية يمكنها أن تحدث فرقا كبيرا جدا وبسرعة لإنهاء الحرب الحالية، وبيّن أن الرئيس الأميركي جو بايدن وقع على أمر تسليم مزيد من الأسلحة إلى إسرائيل، وبريطانيا فعلت الأمر ذاته، "لكن إذا أوقفوا سلسلة التوريد هذه، فلن تتمكن إسرائيل من الاستمرار في قصف المدنيين في قطاع غزة".
واعتبر المحامي في القانون الدولي طيب علي أن استمرار هذه الدول في تأييد عمل الإبادة الجماعية سيؤدي بها إلى التورط والتواطؤ في الجريمة، بموجب المادة (25) من نظام روما الأساسي، وبالتالي، "فإن تزويدهم بالأسلحة والمعدات العسكرية لتنفيذ أنشطتهم أو حتى تشجيعهم يعد جريمة حرب"، حسب المتحدث.
وأضاف علي "يجب على هذه البلدان أن تكون حذرة للغاية، لأن منظمتين في لندن على سبيل المثال تحقق مع السياسيين بشكل فردي في المملكة المتحدة لدورهم في التواطؤ في جرائم الحرب، وقد يجدون أنفسهم أمام المحكمة مثلما حدث مع إسرائيل".
من جانبه، رحب المرزوقي بشجاعة جنوب أفريقيا "لأنها استطاعت أن تتخطى كل العقبات، سواء من اللوبيات أو الدول"، غير مستبعد التأثير الذي قد يحدثه دعم الولايات المتحدة وغيرها من الدول لإسرائيل على مسار القضية وقرار محكمة العدل الدولية.
المصدر : الجزيرة