تصدّر شعار أطلقه الناشط السياسي المصري أحمد دومة «الترند» على موقع «إكس» في مصر بعد هتافه: «يا دي الذل ويا دي العار مصر مشاركة في الحصار» وذلك خلال وجود دومة في وقفة احتجاجية ضد الإبادة الإسرائيلية المتواصلة لسكان قطاع غزة منذ 7 تشرين أول/أكتوبر المنصرم.
بما أن معبر رفح (أو محور فيلادلفيا) هو الممر الوحيد للفلسطينيين الذي لا تسيطر عليه إسرائيل «بشكل مباشر» من بين سبعة معابر تحيط بالقطاع فقد كان طلب المشاركين في الوقفة الاحتجاجية واضحا وهو استخدام الحكومة المصرية لسيادتها المعلنة (أو المفترضة) على المعبر لفتحه أمام المساعدات الإنسانية لسكان غزة، والمعبر المذكور.
هناك غموض ناتج عن أن إعلان القاهرة أن من يتحكم فعليا في دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة هي الحكومة الإسرائيلية سيكون إعلانا عن «نقص السيادة» وقد استغل محامو الدفاع عن تل أبيب في محكمة العدل الدولية هذا الغموض للقول إن النظام المصري هو من يتحمل مسؤولية عدم السماح بدخول كميات كافية من المساعدات إلى القطاع، أي أن الحكومة الإسرائيلية، التي تقوم بالإبادة الجماعية للفلسطينيين، تتخفّف من مسؤولية منع المساعدات عنهم، وتتنازل لفظيا عن سيطرتها الواضحة لتحمّل مسؤولية الحصار الذي يتعرض له الفلسطينيون للنظام المصري!
تكرّرت خلال العدوان الأخير تصريحات بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، عن أن إسرائيل لا تستطيع إنهاء الحرب حتى إغلاق «محور فيلادلفيا» (الشريط العازل بين مصر والقطاع الذي أنشئ عليه معبر رفح البري) وأن تل أبيب تسعى الى إعادة تأكيد سيطرتها على المحور.
الرد المصري على اتهام إسرائيل جاء من ضياء رشوان، رئيس «الهيئة العامة للاستعلامات» وهي جهة حكومية تتبع رئاسة الجمهورية، وتضطلع بدور شرح سياسة الدولة، والذي نفى ما وصفه بـ«مزاعم وأكاذيب» فريق الدفاع الإسرائيلي، مشيرا إلى أن عددا من كبار مسؤولي العالم، وفي مقدمتهم الأمين العام للأمم المتحدة، قد زاروا معبر رفح من الجانب المصري، ولم يتمكن واحد منهم من عبوره لقطاع غزة، نظرا لمنع الجيش الإسرائيلي لهم، وأن المعبر «لم يغلق لحظة واحدة طوال أيام العدوان وقبلها».
يسيطر جيش الاحتلال الإسرائيلي عمليا على الجهة الفلسطينية من معبر رفح، وهو المسؤول الفعلي عن منع وتأخير المساعدات الإنسانية والأدوية، وهو ما بيّنه فعليا الاتفاق الذي توسّطت فيه قطر والذي تسمح فيه إسرائيل بدخول مساعدات إنسانية للقطاع، مقابل وصول أدوية للرهائن الذين تحتجزهم حركة «حماس».
ما نشرته تقارير إعلامية مؤخرا، ومنها تقرير لصحيفة «الغارديان» البريطانية، يظهر أشكالا جديدة من الحصار، حيث يتعرض فلسطينيون لدفع ما يصل إلى عشرة آلاف دولار لسماسرة علاقة صلات مزعومة بأجهزة المخابرات المصرية للتوسط لوضع أسمائهم على قائمة الأشخاص المسموح لهم بالخروج، وقد اضطر أحدهم، وهو فلسطيني ـ أمريكي، لدفع 85 ألف دولار لإخراج 11 من أفراد أسرته من القطاع، بمن فيهم خمسة أطفال دون سن الثالثة.
هناك تاريخ طويل من الإجراءات المصرية بخصوص المحور، بدأت مع هدم الأنفاق الواصلة ين غزة ورفح المصرية، وتنفيذ عملية إخلاء منطقة الشريط الحدودي من السكان، وتدمير المنازل الموجودة، ونصب حاجز خرساني يمتد لمسافات عميقة في الأرض، وكان الإغلاق هو الأمر الغالب منذ تولي الجيش للسلطة في تموز/يوليو 2013.
هناك أسباب مقنعة، مع ذلك، لفهم مواقف الناشطين المصريين، فتاريخ حصار غزة من الجانب المصري يفسّر التحليلات التي تنشر عن تماهي الموقف الرسمي المصري مع الموقف الأمريكي ـ الأوروبي الساعي للقضاء على «حماس» من خلال إبطاء المساعدات والوقود بعد الحظر الإسرائيلي، والتحجج بأن إسرائيل هي السبب، ومن خلال إنقاص عدد الجرحى الذين يتم السماح لهم بالدخول لمصر للعلاج، وكذلك عدم السماح للراغبين في دخول غزة من الأطباء والممرضين والناشطين المصريين، إضافة إلى قمع واعتقال بعضهم.