في 27 يونيو 1959 قمتُ بتدشين محطة «إذاعة موريتانيا» في نواكشوط، ولا يعدو الأمر إذاعةً رمزيةً تشتمل على جهاز إرسال بقوة كيلوات واحد مثبَّت على سيارة. ولم يكن بث المحطة مسموعاً إلا في ضواحي نواكشوط التي كثيراً ما تكون خالية من البدو نتيجة لقلة المياه والمراعي. ومع ذلك كان يجب أن تكون لعاصمتنا إذاعتها على غرار باقي العواصم الأفريقية، حتى ولو كانت ما تزال «ورشة لافتات». وبفضل المهارة والإخلاص والحيوية التي تمتع بها الصحفي الفرنسي الممتاز «بيير آيمار» الذي غادر إذاعة داكار، وهي أهم محطة في الإقليم، ليدخل في خضم «المغامرة الإذاعية الموريتانية»، أصبح «صوت الجمهورية الإسلامية الموريتانية» ممكن السماع في أرض الوطن ولو على مسافة محدودة انطلاقاً من عاصمة اللافتات. وأذكر هنا أنه كانت توجد منذ سنة تقريباً محطة إذاعية بقوة 4 كليوات هي «إذاعة موريتانيا من سان لويس» التي كان يقوم بإنعاشها هي الأخرى صحفي فرنسي شاب وديناميكي هو «كلود أرنولت»، وكان قد دشنها في بداية مارس 1958 وزير فرنسا لما وراء البحار آنذاك «جيرار جاكي»، ولم تكن تغطي سوى الجزء الجنوبي والأوسط من موريتانيا. وكان من المقرر نقلها إلى نواكشوط، لكن عدم وجود مبنى مناسب لإيوائها وعدم وجود مصدر للطاقة في نواكشوط، حالا دون نقلها. وهكذا كان شمال البلاد وشرقها لا يلتقط إلا إذاعة المغرب أو إذاعة داكار. وكانت الأولى تصفنا يومياً بـ«النظام العميل، ونظام مترجمي الاستعمار، والنظام الذي نصّبه الاستعمار الفرنسي لتستمر سيطرته على موريتانيا». أما إذاعة داكار فقد كانت ألطف قليلا حيث كانت تنعتنا بـ«الانفصاليين الرجعيين الذين يضطهدون الشعب الموريتاني». وفي هذا الجو كان من الواضح أن هذه المحطة بالغة الصغر، التي لا تزيد طاقتها على كيلوات واحد، لن تشكل الرد على هاتين الإذاعتين المعاديتين. ومع ذلك فإن عبارة «هنا إذاعة موريتانيا توجِّه إليكم بثها من نواكشوط»، التي تتكرر ثلاث مرات في اليوم، ولا يسمعها إلا سكان نواكشوط الذين لا يتجاوز مجموعهم بضع مئات، كانت تثير في قلوبنا نوعاً من الإيناس، وتذْكي فينا روح الوطنية التي تحتاج إلى متنفس تؤكد من خلاله حضورها ورسوخها. وبذا تكون عاصمتنا أيضاً -كغيرها من العواصم - لها، ولو من الناحية الشكلية فقط، إذاعتها مهما كان تواضع تلك الإذاعة.
المختار ولد داداه/ «موريتانيا على درب التحديات»