دون الخوض في الكلام على صلاة التهجد جماعة في المسجد، والمفاضلة بين ذلك وبين تهجد الشخص في بيته، أعتقد ـ والعلم عند الله ـ أن تسميع القراءة في صلاة تطوعٍ من المساجد، عبر مكبرات الصوت، آخر الليل، خلاف الأولى..
ذلك أن الناس في البيوت حول المسجد، على أحد حالين:
ـ بعض وفقه الله، فقام يصلي تهجدا في بيته، يقرأ القرءان، أو يذكر الله، أو يدعو، ووصول صوت القراءة إليه من المسجد يخلط عليه، ويشوش غاية التشويش، وفِي الحديث: “ولا يجهر بعضكم على بعض بالقراءن”، بزيادة: “فتؤذوا المؤمنين”، ولا يبعد أن ينطبق على هذه الحالة..
ـ بعضٌ أنعم الله عليه بالنوم، ورفع عنه القلم: “النائم حتى يستيقظ”، ومن هذا البعض من كان صلى القيام في المسجد، أو البيت، قبل أن ينام بالعدد الذي لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يزيد عليه في رمضان ولا في غيره، كما ثبت في الصحيحين..
ومن هذا البعض كذلك، أصحاب الأعذار المختلفة المقبولة شرعا، ومنها ثقل الرأس، ومنه أصحاب الأعمال النهارية الشاقة، الضرورية لتحصيل مرمة المعاش، وفِي أدائها أجر عظيم، وليس لهم وقت في النهار لتعويض نوم الليل..
فوصول الصوت إلى هؤلاء من مكبرات المساجد ينغص نومهم، وفِي ذلك إيذاء للمسلمين، قد يجر وزرا، يعكر صفو أجرٍ مرجو من التهجد..
ثم إن تسميع قراءة صلاة تطوعٍ، من المساجد في ذلك الوقت لا تترتب عليه مصلحة شرعية محققة، تتعين مراعاتها، فلعله يكفي ترك المُسَمِّع الداخلي، وإغلاق الخارجي، رحمة بالناس..
وقد رأيت مساجد كبيرة في بلاد إسلامية عريقة، بمجرد الإقامة للصلاة المكتوبة في مكبر الصوت يغلقون الخارجي، ويكتفون بالداخلي، أثناء أداء الصلاة، فما بال صلاة التطوع؟..
فِي كتابه النفيس: تلبيس إبليس، قال أبو الفرج عبد الرحمن بن علي ابن الجوزي، رحمه الله تعالى، في الباب الثامن (تلبيس إبليس على العُبَّاد في العبادات): <<..وقد رأينا من يقوم بالليل كثيرا، على المنارة فيعظ ويذكر، ومنهم من يقرأ سورا من القرآن بصوت مرتفع، فيمنع الناس من نومهم، ويخلط على المتهجدين قراءتهم، وكل ذلك من المنكرات..>>، أخاف أن يدخل تسميع صلاة التهجد من المساجد، تحت هذا الوصف..
وفق الله الجميع..