تابعت المصالح العسكرية الأمريكية، على وجه السرعة، عمليات تفكيك القاعدة الأمريكية الموجودة في مدينة “أغاديس” في النيجر لتحويلها إلى وجهة لم تتحدد بعد، وذلك بعد أن رفع سكان المدينة في تظاهرات متواصلة، تطالب برحيل القاعدة، شعارات منها “أيها الأمريكيون: هنا أغاديس وليس واشنطن” و”أيها الجنود الأميركيون، احزموا أمتعتكم وعودوا إلى دياركم”.
فلم يعد أمام الحكومة الأمريكية سوى الانسحاب بعد القرار الذي اتخذه النظام العسكري الحاكم في النيجر يوم 16 آذار/مارس الجاري والقاضي بإلغاء اتفاقية التعاون في مجال الدفاع مع الولايات المتحدة الموقعة قبل اثنتي عشرة سنة من الآن، وبعد أن فشل الأمريكيون قبل يومين في إقناع رئيس وزراء النيجر علي الأمين زين، بالتراجع عن قرار الانسحاب أو تأجيل تنفيذه، حيث أعلن المسؤول النيجري بعد لقائه مسؤولين أمريكيين “أنه يتعين على جميع القوات الأميركية مغادرة أراضي النيجر دون تأخير”.
لكن ما لم تفصح عنه الحكومة الأمريكية حتى الآن هو الوجهة التي ستنقل إليها القاعدة الأمريكية والتي يجب أن تكون إحدى دول الساحل وفي موقع يسمح للقوات الأمريكية بإدامة مراقبتها للمنطقة الساحلية التي حولتها انقلابات مالي وبوركينافاسو والنيجر إلى مجال عسكري واستخباراتي روسي.
ومن الصعب على أي من حكومات دول غرب إفريقيا السماح بنقل القاعدة الأمريكية إليها لأن هذه مطرودة تحت شعار “استعادة السيادة”، وسيكون استقبالها تنازلاً عن السيادة، في ظرف ينتشر فيه كره شعوب إفريقيا للدول الغربية وللولايات المتحدة، وتنعكس فيه على القارة مواقف الغرب المؤيدة للمذابح التي اقترفتها إسرائيل في حق الشعب الفلسطيني.
وتحدث المحلل السياسي الموريتاني البارز الإعلامي سلطان البان، في تدوينة له عن موريتانيا كوجهة محتملة للقاعدة الأمريكية، وقال: “نحن ندرك جيداً في حسابات لعبة المصالح الدولية أن منطقة الساحل الإفريقي موقع استراتيجي مهم للأمريكان يمكنهم من تنفيذ طلعات جوية في لعبة التفوق في المعلومات الاستخباراتية”.
وأضاف: “وجود روسيا وفيلقها الإفريقي (بديل فاغنر) لن يطرد أمريكا كليًا؛ فستظهر الولايات المتحدة الأمريكية نوعاً من الممانعة وإعادة التموقع لخططها العسكرية، ضمن مد جسور “الحلف الأطلسي”؛ وإن سألتني أين سيكون ذلك، أجيبك: لماذا لا تكون نواكشوط وجهة بديلة؟ هناك دبلوماسية هشة، وحكومة تدعم كل ما من شأنه أن يوفر سيولة، فقد جلبت الأوروبيين منذ وقت قريب إلى الوطن ليتخذوه ملجأ للهجرة والتوطين البطيء!!”.
وإذا كانت هذه الفرضية التي طرحها سلطان البان لم تتأكد بعد على الميدان، فإنها تجد دعماً كبيراً من خلال النشاط الكبير الذي شهده التعاون العسكري الأمريكي الموريتاني في السنتين الأخيرين.
ففي يوليو/تموز من عام 2023، أدت مجموعة عسكرية أمريكية تضم 16 جنرالًا وضابطًا أمريكيًا زيارة لموريتانيا موفدين من قبل القيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا (أفريكوم) “بسبب أن موريتانيا، حسب بيان للسفارة الأمريكية في نواكشوط، تعتبر “شريكاً قوياً للولايات المتحدة في قضايا الأمن والاستقرار الإقليمية”.
وشكل قرار النيجر القاضي إلغاء التعاون العسكري مع الأمريكيين، ضربة موجعة للولايات المتحدة، حيث إنه سيفقدها قاعدتها في أغاديس شمال النيجر التي تعتبر أهم قاعدة لتنسيق العمليات العسكرية الأمريكية في إفريقيا، كما أنها القاعدة التي كلف تأسيسها وتجهيزها 100 مليون دولار أمريكي.
ولكون اتفاق 2012 بين النيجر والولايات المتحدة لا يلزم الجانب الأمريكي بأن يشارك النيجر المعلومات الاستخباراتية المحصلة من الطلعات الجوية في موضع جغرافي استراتيجي يطل على وسط وغرب وشمال أفريقيا، فقد وصف حكام النيجر الجدد الاتفاق بأنه “غير متكافئ ” وبأنه مفصل على المقاس الأمريكي.
فقد أكد العقيد أموبي أرانديشو المسؤول الكبير في جيش النيجر، في تصريح لوكالة الصحافة الفرنسية “أن وجود الجنود الأميركيين ليس له أي فائدة على أمننا، لأن العصابات المسلحة لا تزال تجوب الصحراء”.
ومن أصل الألف عسكري أمريكي الموجودين في النيجر بموجب اتفاق 2012، ينتشر 700 عسكري في القاعدة الأمريكية المقامة في أغاديس شمال النيجر، حيث المعدات العسكرية الأمريكية الثقيلة.
وحسب آخر المعلومات، توجد بمطار أغاديس طائرتا تجسس بنشاط إلكترومغناطيسي، إضافة إلى طائرتي هليكوبتر خاصة بالمناورات، وعشر طائرات مسيرة متطورة من نوع MQ 9 Reaper، وهي عينة مهمة للغاية في حال الأزمات.
وتمكن هذه الطائرات المسيرة الولايات المتحدة من إبقاء عينيها مفتوحتين على منطقة الساحل كلها وبخاصة على ليبيا التي هي بوابة الوصول إلى البحر الأبيض المتوسط، كما تسمح هذه المسيرات للولايات المتحدة بمواجهة أي تهديد عسكري محتمل.
عبد الله مولود
نواكشوط-«القدس العربي»