واصل ريال مدريد إحكام قبضته على الكرة الأوروبية في عهد رئيسه التاريخي فلورنتينو بيريز، عبر التتويج بلقب دوري أبطال أوروبا للمرة الخامسة عشرة.
تتويج الريال أعقبه إعلان التعاقد مع المهاجم الفرنسي كيليان مبابي، في صفقة انتقال حر بمجرد انتهاء عقده مع باريس سان جيرمان بنهاية الشهر الجاري.
وكعادته، نال بيريز المديح بسبب نجاحه في جلب لاعب بقيمة مبابي دون أن يدفع مقابل مادي للنادي الفرنسي، وهو ما جعله محل إشادة من قبل شريحة عريضة من الجماهير.
أخطاء حقبة الجلاكتيكوس
تولى بيريز رئاسة النادي الملكي في حقبتين مختلفتين، الأولى بين عامي 2000 و2006، والثانية منذ 2009 حتى الآن.
الحقبة الأولى شهدت مشروع الجلاكتيكوس الشهير، والذي اعتمد فيه بيريز على جلب أبرز نجوم العالم في الفريق الملكي، أملا في اجتياح أوروبا والسيطرة على أغلب البطولات.
لكن ذلك المشروع لم يؤت ثماره، رغم امتلاك الفريق مجموعة هائلة من الأساطير، أمثال زين الدين زيدان، رونالدو نازاريو، لويس فيجو، روبرتو كارلوس وديفيد بيكهام، فضلا عن راؤول جونزاليس وإيكر كاسياس.
ولم ينجح الريال حينها في الظفر بألقاب مهمة سوى دوري الأبطال عام 2002 والدوري الإسباني في السنة التالية، بينما عانى في باقي السنوات من تراجع النتائج وغياب النجاحات المنشودة.
ولعل أبرز الأسباب في عدم استغلال جيل الجلاكتيكوس، يعود لقرارات بيريز الكارثية، المتمثلة في جلب مدربين غير جديرين بقيادة تلك الأسماء الرنانة، أمثال كارلوس كيروش، كاماتشو، ماريانو ريمون، فانديرلي لوكسمبورجو وخوان كارو.
تلك الأسماء كانت مجهولة بالنسبة لأغلب المشجعين، وهو ما يدلل على سوء اختيار المدربين لتلك المهمة، فضلا عن التخلي قبلها عن الإسباني فيسنتي ديل بوسكي، صاحب النجاحات التاريخية مع الفريق.
حقبة النجاحات التاريخية
في الحقبة الثانية التي بدأت قبل 15 عاما، أدرك بيريز أخطاءه السابقة، وبدأ في التعاقد مع العناصر المؤهلة لمساعدة الفريق على النجاح.
وبسبب ذلك، استطاع بيريز أن يقود الريال لنجاحات باهرة في الفترة الثانية، بدأت بتأسيس جوزيه مورينيو لفريق صلب استطاع أن يكسر شوكة جيل برشلونة التاريخي الذي كان بمثابة وحش صنعه بيب جوارديولا، وتمكنت كتيبة البرتغالي من تحقيق لقب دوري الـ100 نقطة التاريخي في 2011/2012.
وتعاقبت النجاحات عبر قرارت مدروسة يعود فيها الفضل الأول إلى بيريز، لينجح الفريق خلال الحقبة الثانية في الفوز بلقب دوري الأبطال 6 مرات، فضلا عن باقي الألقاب الأخرى.
ولعل أبرز قرارات بيريز خلال تلك الفترة، كان قرار إقالة رافائيل بينيتيز وتعيين زين الدين زيدان خلفًا له في منتصف موسم 2015/2016، ليقود الفرنسي ناديه إلى إنجاز تاريخي بتحقيق لقب الكأس ذات الأذنين 3 مرات متتالية.
كذلك شهدت الحقبة الثانية لبيريز سطوع نجم اللاعبين الشباب، وأصبحت سياسة النادي في السنوات الأخيرة تعتمد بوضوح على صناعة فريق من اللاعبين أصحاب الأعمار الصغيرة، أمثال: فينيسيوس جونيور وجود بيلينجهام ورودريجو وفالفيردي وتشواميني وكامافينجا وأردا جولر وإبراهيم دياز، وأضاف لهم النادي قوة هائلة بالتعاقد مع مبابي وكذلك البرازيلي الصغير إندريك.
وحينما تعاقدت إدارة بيريز قبل سنوات مع لاعبين مثل فينيسيوس ورودريجو وفيدي فالفيردي، لم يكن أحد يسمع عن هذه الأسماء من قبل، أو يتخيل أن ينافس جونيور بقوة هذا الموسم على جائزة الكرة الذهبية، بينما تتهافت مجموعة من أندية أوروبا العملاقة على التعاقد مع الثنائي الآخر.
ورغم ذلك، لا تخلو الحقبة الثانية من بعض الأخطاء التي توارت خلف النجاحات الكبيرة التي حققها الفريق تحت إدارة بيريز، كما حالف التوفيق أيضا الرئيس المخضرم للريال في قرار إعادة كارلو أنشيلوتي للفريق، وشهدت فترة الإيطالي الثانية إنجازات لم يتوقعها أكثر مشجعي الميرينجي تفاؤلا.
من أعلى الآخر؟
السؤال الذي يطرح نفسه دائما، هل بيريز من قاد ريال مدريد للنجاح، أم أن اسم وقيمة النادي الملكي التاريخية هي التي ساعدت رئيسه على الوصول لتلك النجاحات؟
مما لاشك فيه أن كلا الطرفين ساعد الآخر على النجاح، لكن الأرجح أن اسم ريال مدريد يساعد أي عنصر على البزوغ وتحقيق الأهداف المرجوة، بداية من الرئيس حتى أصغر لاعب في الفريق.
وبالعودة إلى الوراء قليلا، سنجد أن أفضل صفقة أبرمها النادي في القرن الحالي، هي البرتغالي كريستيانو رونالدو، الذي رحل وهو هداف تاريخي للريال.
وسنجد أن بيريز هو من أبرم تلك الصفقة بالفعل، لكن المؤكد أن من بدأ المفاوضات كان سلفه رامون كالديرون، وجاء خليفته بعد عام واحد لإتمامها بنجاح.
وما يؤكد أن اسم ريال مدريد هو الذي يقود رئيسه للنجاح غالبا، أن اختيار رونالدو للنادي لم يكن مبنيا على وجود كالديرون أو بيريز، بل كان لرغبته في حمل ألوان اللوس بلانكوس، رغم عدم تحقيق الفريق نجاحات توازي تاريخه في ذلك الوقت.
هنا يظهر مدى ارتباط اللاعبين باسم ريال مدريد، مما يسهل على أي رئيس التحرك نحو أي منهم لإقناعه بسهولة بارتداء قميصه.
هذا تكرر مع الكثير من اللاعبين، آخرهم مبابي، الذي يعرف الجميع مدى ولعه بالفريق الملكي ونجمه السابق رونالدو.
حسابات شخصية
من سلبيات بيريز الدائمة أنه يجني على الريال أحيانا بسبب حساباته الشخصية، سواء مع منافسين سابقين له، أو مع لاعبين لا يحمل لهم قدر الحب والاحترام، مقارنة بآخرين.
ما يؤكد هذه السلبية إصراره على التخلص من أغلب العناصر التي جلبها رامون كالديرون في فترته الرئاسية التي سبقت عام 2009، ليحاول التخلي عنهم تباعا بمجرد عودته للنادي، ليتخلص من لاعبين بارزين أمثال آريين روبن، ويسلي شنايدر ورود فان نيستلروي، فضلا عن أسماء أخرى لحقت بهم في السنوات التالية.
كذلك، تخلص بيريز من مسعود أوزيل بسبب خلاف بينه وبين والد اللاعب، ليأخذ الرئيس الأمر على محمل شخصي ويقرر بيعه لآرسنال، بدلا من إعلاء مصلحة الفريق الذي كان بحاجة إليه.
وهناك أمثلة كثيرة تدلل على هذه السلبية، لكن تاريخ ريال مدريد العريق كان له الغلبة في التغلب على حسابات رئيسه الشخصية في بعض الأحيان.