ساهمت مفاجأة انتقال كريستيانو رونالدو أسطورة البرتغال وأفضل لاعب في العالم سابقا إلى الدوري السعودي في أواخر العام الماضي، في ظهور ملامح مشروع كروي ضخم يجذب أنظار العالم.
وربط البعض بين تجربة الصين التي سعت للأمر نفسه، وخطة السعودية الطموحة، لا سيما أن التوقعات لم تكن ترى أفقا واضحا لما بعد صفقة رونالدو، التي أربكت الجميع في أوروبا غيرها.
المشروع الصيني
قبل أكثر من 7 سنوات كان الرئيسي الصيني تشي جين بينج يحلم بتطوير كرة القدم في بلاده، والمنافسة يوما ما على استضافة كأس العالم، بل والتتويج بها خلال 15 عاما.
ومع منحه الضوء الأخضر لتنفيذ المشروع انطلقت شرارة التعاقدات الكبرى، فكان أكبرها جذبا للانتباه صفقة الأرجنتيني كارلوس تيفيز الذي حصل على راتب أسبوعي يقدر بنحو 650 ألف جنيه إسترليني في 2016.
كما انتقل البرازيلي أوسكار لاعب تشيلسي السابق، في يناير/كانون الثاني 2017 إلى شنغهاي سيبيج مقابل 60 مليون يورو.
وتوالت الصفقات: الكونغولي سيدريك باكامابو (الأفريقي الأعلى أجرا في العالم سابقا)، والبرازيلي باولينيو لاعب برشلونة السابق، ومواطنه هالك الذي ضمه شنغهاي سيبيج بـ 56 مليون يورو في موسم 2016-2017.
خسارة مدوية
كان المشروع الصيني مبنيا على أحلام فقط، وأوكلت مهمة تطويره لشركات العقارات.
لقد استحوذت شركات العقارات على أسهم معتبرة في الأندية الصينية، واشترت الأراضي المتاحة للتطوير، ولمزيد من الدعاية تغيرت أسماء الأندية أو أضيفت إليها أسماء تلك الشركات.
لكن ما لم يكن في الحسبان هو الأزمة المالية التي ضربت الشرق الأقصى فتفاقم الوضع كثيرا إذ كانت شركات قطاع التطوير العقاري من أكبر المتأثرين، وبدأت كثير من الأندية التابعة لها في الانهيار، بإعلان الإفلاس أو سحب الاستثمارات.
في أواخر عام 2020 وضعت الصين حدودا لرواتب اللاعبين الأجانب: 3.65 مليون دولار سنويا بحد أقصى، مقابل 764 ألف دولار للاعب المحلي.
لقد أنفقت الأندية الصينية ما يزيد على 300 مليون جنيه إسترليني في الانتقالات الشتوية عام 2016.
وإجمالا بحلول 2020 قال رئيس الاتحاد الصيني للعبة إنهم أنفقوا 10 أضعاف أندية كوريا الجنوبية و3 أضعاف أندية اليابان، لكن منتخبهم ما زال يتخلف كثيرا عن هذين المنتخبين.
اعترف الاتحاد الصيني لكرة القدم بأن الأمر كان أشبه بـ "فقاعات استثمار"، وكانت خطة سقف الرواتب مهمة لتصحيح المسار.
وانتهى الحلم الصيني صريعا: أوقفت أندية مثل جيانجسو سانينج المتوج بالدوري، وتيانجين تيانهاي نشاطها.
كما هبط جوانزو إيفرجراند المتوج بالدوري الصيني 8 مرات وبدوري أبطال آسيا مرتين في 2022 بسبب وصول ديون شركة إيفرجراند التي تملك حصة الأغلبية بالنادي إلى 225 مليار جنيه إسترليني، ومن ثم رحل كل نجوم الفريق.
وأعلن مستثمرون في نادي ووهان ثري تاونز بطل الدوري عام 2022 سحب استثماراتهم بحلول سبتمبر/أيلول 2023، والتخلي عن ملكيته مع ضمان تركه من دون ديون بحلول تاريخ وقف الاستثمار.
ماذا عن السعودية؟
يختلف المشروع السعودي كثيرا مع نظيره الصيني، من جوانب عدة، أهمها أن ليس للصين أي تاريخ كروي تستند إليه فيما حلمت به.
كما أن كرة القدم لديهم لم تحظ بشعبية حتى اجتذبت كثيرين إليها مع مشاركتهم الأولى والوحيدة في مونديال 2002.
على جانب آخر، فإن الأندية السعودية وإن كانت تجربتها الحالية أكبر وتأتي ضمن خطة أكثر طموحا، لكن تاريخها مع اجتذاب الأسماء العالمية الرنانة يعد حاضرا بقوة منذ سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي.
كما أن المنتخب السعودي من كبار القارة الآسيوية، ومن أكثر المتوجين بكأس آسيا، كما بلغ المونديال 6 مرات بداية من مشاركته الأولى في 1994 حيث بلغ دور الـ16.
والمسألة الأكثر أهمية أن المشروع السعودي ليس مدعما من مجرد شركات وحفنة مستثمرين، بل إلى رعاية الدولة نفسها، التي تضعه ضمن خطتها الشاملة لتطوير كرة القدم واقتصاد الرياضة السعودية إجمالا في "رؤية 2030".
لذلك جاءت البداية بالموسم التاريخي الماضي 2023-2024 الذي حظي بمتابعة كبيرة من قنوات عالمية من بينها "سكاي سبورت".
ولم تكتف الأندية السعودية برونالدو فقط، فضمت بنزيما ونيمار وميتروفيتش وساديو ماني وسافيتش وفيرمينو ورياض محرز وغيرهم، مما أكد قوة المفاوضات السعودية لإقناع مثل هؤلاء النجوم بالمشروع، وهي نقطة قوة تحتسب، لا سيما في ظل هذا التنوع من لاعبي أوروبا وأمريكا الجنوبية، وهو ما افتقدته خطة الصين أيضا.
رونالدو نقطة الانطلاق
كسر التعاقد مع كريستيانو رونالدو الحاجز النفسي بين نجوم الصف الأول في أوروبا وفكرة الانتقال لأندية الدوري السعودي، باعتراف كثير منهم على غرار نيمار.
وعادة ما كانت فكرة اللعب في السعودية أو الخليج عموما، ترتبط ببحث النجوم عن الأموال وببطولات أقل تنافسية في ختام مسيرتهم الكروية.
لكن ضم لاعبين على غرار جابري فيجا (22 سنة)، ومالكوم (27 سنة)، وأوتافيو (29)، وآلان سانت ماكسيمين (27) وفرانك كيسي (27) نسف تماما هذه الفكرة، ويفتح الباب أما صفقات مميزة مماثلة.
وما تزال القارة العجوز تراقب من كثب ما يحدث تحديدا في السعودية، بعدما تصدرت أخبار ولقطات ومهارات نجوم دوري روشن محركات البحث العالمية، في ظل الحديث عن تنافسيته وأجوائه التي قد تغري آخرين بالانتقال إليه مستقبلا.
اختبار الاستمرارية
سيكون العنصر الأساسي في نجاح التجربة السعودية، وعدم السقوط في الفخ الصيني هو الاستمرارية.
وسيكون صيف 2024 اختبارا جديدا في نزال الصفقات العالمية لا سيما أن كثير من أندية أوروبا بدأت تخشى قوة العروض السعودية المغرية.
وارتبطت بعض الأسماء الثقيلة بالانتقال إلى الدوري السعودي في الموسم المقبل، على غرار كيفين دي بروين وروميلو لوكاكو، تير شتيجن وكييزا وبرونو فيرنانديز، وبيرناردو سيلفا، وكذلك كاسيميرو، وناتشو فيرنانديز، إضافة للحارسين إيدرسون وأليسون.
ولم يكن من الوارد سابقا أن ترتبط مثل هؤلاء بالتفاوض مع أندية سعودية لولا هذا المشروع الضخم وجديته.