تسود حالة من الارتباك والذهول داخل المستويين العسكري والسياسي في الكيان الصهيوني، وذلك بعدما نشر حزب الله اللبناني، مقطعا مصورا مدته 9 دقائق و31 ثانية تحت عنوان "ما رجع به الهدهد" يتضمّن مسحا دقيقا لمناطق بشمال الأراضي الفلسطينية المحتلة، بكل ما تضمه من مواقع عسكرية سرية، وهو ما وجّه ضربة قاسية أخرى لمنظومة الردع التي يعتمد عليها الصهاينة لضمان أمنهم، غير أن عملية الهدهد وطوفان الأقصى قبلها أثبتتا مرة أخرى أن هذا الكيان هش، وهذا في خضم إعلان وسائل إعلام عبرية استعداد جيش الاحتلال على خوض حرب مع حزب الله.
وقال الحزب إن مقطع الفيديو صوّرته مسيّرات تابعة له تمكنت "من تجاوز وسائل الدفاع الجوي للعدو وعادت من دون أن تتمكن وسائله من كشفها".
وتضمّنت المشاهد التي وردت في الفيديو مواقع صهيونية حساسة، من بينها قواعد عسكرية ومخازن أسلحة وصواريخ وموانئ بحرية ومطارات بمدينة حيفا الواقعة على بعد 27 كيلومترا من الحدود اللبنانية.
وظهرت في الفيديو مشاهد جوية لمدينة حيفا، بما فيها مجمع الصناعات العسكرية لشركة "رافائيل" ومنطقة ميناء حيفا التي تضم قاعدة عسكرية وميناء مدنيا ومحطة كهرباء ومطار وخزانات نفط ومنشآت بتروكيميائية، كما ظهر مبنى قيادة وحدة الغواصات وسفينة "ساعر 4.5" المخصصة للدعم اللوجستي وسفينة "ساعر 5". وقبيل نشر الفيديو كاملا، كان الإعلام الحربي لحزب الله قد نشر مقطعا ترويجيا للفيديو تحت عنوان "ما رجع به الهدهد".
ونقلت وسائل إعلام، نقلا عن مصادر وصفتها بالمقربة من حزب الله، أن الأخير أراد من خلال نشر مقطع الفيديو، بعث رسائل عدة، أهمها قدرته على الرد العملي على التهديدات التي وصلت مؤخرا إلى لبنان، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، وأن الحزب مستعد للحرب إذا ما فرضت عليه ولديه خريطة المواقع التي سيستهدفها.
كما أن نشر الفيديو لا ينفصل عن مسار زيارة الموفد الأمريكي إلى لبنان آموس هوكشتاين وعملية الضغط التي يمارسها، حيث أشارت المصادر إلى أنه وبمعزل عن التصريحات التي تحدّث فيها هوكشتاين عن الربط بين غزة ولبنان، فإن الحزب يرى أن أي محاولة للضغط على لبنان يجب أن تواجه برسالة مقابلة تؤكد أن لبنان ليس في وضعية ضعيفة تجعله ينحني للضغوط.
وقال رئيس بلدية حيفا المحتلة، إن "حزب الله" يحاول استخدام "الإرهاب النفسي على سكان حيفا والشمال، وأطالب الحكومة بوضع خطة دفاعية واسعة النطاق عن حيفا وإيجاد الحل العسكري لإزالة التهديد". وقالت وسائل إعلام عبرية تعليقا على الفيديو "إن الوثائق الجديدة هي أكثر إثارة للقلق منذ بداية الحرب وفيها يمكن رؤية حيفا".
وقال المراسل العسكري للقناة الـ14 العبرية، إن حزب الله "ينشر وثائق غير عادية من عمق الأراضي المحتلة ويعرض الأهداف الصهيونية وحتى من ميناء حيفا والقاعدة البحرية"، وأضاف "لقد تركت القدرة التي أظهرتها منظمة حزب الله فجوة واسعة بين العسكريين والأمنيين".
وكان الجيش الصهيوني قد طلب من الصناعات الدفاعية، وضع حل تكنولوجي يقدّم اعتراضا أفضل لمسيّرات حزب الله، وفقا لما ذكرته صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية.
وقد تصدّرت المشاهد التي عرضها حزب الله، حديث رواد منصات التواصل الاجتماعي الذين وصفوا الفيديو بأنه رسالة واضحة للاحتلال الصهيوني بـ "أن مئات الأهداف داخله تحت نظر حزب الله، وأن أي عملية عسكرية صهيونية على لبنان سيكون ثمنها غاليا".
ورأى البعض أن نجاح حزب الله بتصوير العمق العملياتي في الكيان، يدل على أن الحزب "يملك ذراعا قوية وطويلة تستطيع من خلالها الوصول إلى أماكن وأهداف استراتيجية مهمة بإمكانها إلحاق دمار كبير بالكيان".
كما لفت آخرون إلى أن دخول المسيّرات التجسسية لحزب الله عمق الأراضي المحتلة ومسحها مناطق الشمال بسهولة، يثبت عجز رادارات الاحتلال ودخول القبة الحديدية في "سبات عميق"، حسب وصفهم.
وفي وقت سابق، حذّر آموس هوكشتاين، مستشار الرئيس الأمريكي، الكيان الصهيوني من هجوم إيراني محتمل يصعب صدّه جراء استمرار المواجهة مع حزب الله اللبناني. جاء ذلك خلال لقاءاته مع مسؤولين صهاينة الاثنين، وفق ما ذكرته صحيفة "هآرتس" العبرية. وكان هوكشتاين أجرى زيارة إلى تل أبيب الإثنين ضمن "جهود تهدئة" المواجهات بين الكيان وحزب الله على الحدود مع لبنان بعد تصاعدها بشكل ملحوظ الأسبوع الماضي.
والتقى المبعوث الأمريكي رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو و"الرئيس" إسحاق هرتسوغ وزعيم المعارضة يائير لبيد ووزير الدفاع يوآف غالانت.
وقالت الصحيفة العبرية، إن هوكشتاين حذّر من احتمال أن تؤدي الحرب مع حزب الله إلى هجوم إيراني واسع النطاق على الكيان سيكون من الصعب على أنظمة الدفاع الصهيونية صدّه يترافق مع احتمال نيران واسعة النطاق من قبل حزب الله في لبنان.
وفي الأسابيع الأخيرة، شهد الخط الأزرق الفاصل بين الكيان المحتل ولبنان، تصعيدا لافتا، ودعت الولايات المتحدة مرارا إلى احتوائه. كما يرى مراقبون، أن منظومة الردع الصهيونية تلقت فشلا ذريعا ولم تعد قادرة على ردع المقاومة الفلسطينية خاصة بعد معركة طوفان الأقصى التي اخترق فيها المقاومون غلاف غزة العسكري ونفّذوا أكبر عملية عسكرية ضد الكيان الذي ظهر ضعيفا رغم الملايير والترسانة العسكرية التي يملكها، يضاف إليها الدعم الغربي العسكري المطلق.
فما يحدث منذ معركة "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر الماضي، يظهر أن نظرية الردع تلك لم تعد قائمة، وأن قوى المقاومة سواء في قطاع غزة أو في لبنان، تجاوزا الأمر وبات الطرفان يسعيان لخلق قوة ردع ضد الكيان، وفقا لما يقوله محللون عسكريون.
فقوة الردع الصهيونية بدأت تتآكل منذ حرب عام 2006 على جنوب لبنان، عندما فشل الكيان في فرض "معادلة جديدة" في صراعه مع حزب الله في تلك الحرب، إذ يقول المحللون أنه من أجل تعزيز قدرة الردع الصهيونية، ينبغي إنهاء كل مواجهة عسكرية بانتصار عسكري سريع وملموس وواضح للعيان وبأقل الخسائر خاصة البشرية" وهو الأمر الذي لم يحدث لا في حرب 2006 ولا في حرب الإبادة في قطاع غزة. فهجمات حزب الله على المواقع العسكرية الصهيونية واستهدافها بشكل دقيق بعد "طوفان الأقصى"، دفعت زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد للقول "إن ما يحترق ليس الشمال فقط، بل الردع الإسرائيلي والشرف الإسرائيلي".