يشهد المشهد الموريتاني حاليا نشاطا سياسيا محموما، أحدثته تصريحات نُسبت لعدد من الوزراء و المسئولين الموريتانيين- من بينهم وزير العدل- طالبوا خلالها الشعب الموريتاني بالمطالبة بتعديلات دستورية لكي يتسنى للرئيس الموريتاني" محمد ولد عبد العزيز" التمتع بمأمورية 'فترة' رئاسية ثالثة، وهي التصريحات التي اعتبرتها بعض أحزاب المعارضة "مستفزة وتنم عن احتقار للدستور من قبل وزير العدل وداخل قبة البرلمان".
آراء الموريتانيين انقسمت بين من يرى في تلك التصريحات آراء فردية، لمواطنين موريتانيين – حتى لو كانوا وزراء - عبروا عن وجهة نظر يكفلها لهم الدستور، وهي آراء لا تُعبر إلا عن أصحابها، وبين من يرى أن هذه التصريحات ليست معزولة عن الاتجاه العام للحكومة التي طالما عبرت عن رغبتها في إقامة حوار وطني شامل يفضى لتعديلات دستورية تُلغي المواد التي تحصر عدد المأموريات الرئاسية في مأموريتين اثنتين.
القيادي في منتدى الديمقراطية والوحدة، الكاتب "محمد الأمين ولد الفاضل" كتب يقول : " إن الصمت تجاه الدعوة لزيادة المأموريات لم يعد مقبولا، لا من الموالين العقلاء، ولا من أولئك الصامتين المتفرجين الذين لا ينتسبون للموالاة ولا للمعارضة .. إنه على الجميع أن يتحدث، وعلى عقلاء الموالاة أن يعلموا بأن من الموالاة ما قتل."
أما الأستاذ المحامي شيخنا ولد لحبيب فقد أصدر بيانا جاء فيه : "أوجه نداء إلى الأغلبية البرلمانية طالبا منها أن تأخذ مبادرة اقتراح مشروع قانون يُلغي المادة 28 من الدستور الموريتاني التي تمنع علي الرئيس أن يترشح أكثر من مرة واحدة، هذه المادة تعسفية ومخالفة للإرادة الشعبية ولمبادئ الديمقراطية, حيث إن الترشح حق لكل مواطن لم يصدر عليه حكم قضائي يسحب منه الأهلية السياسية. إن فعلتم نحن من ورائكم بمسيرات سلمية تساند مبادرتكم هذه، وسوف تروننا إن شاء الله في اليوم الموعود" .
الباحث في الدراسات الدستورية والسياسة، أحمد ولد محمد امبارك يدلى برأيه في هذا الجدل فيقول: "المبدأ الملازم لمبدأ التناوب على السلطة الذي يحدد مدة رئيس الجمهورية بخمس سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة محكوم بمضمون المادة 29 وعند القراءة المتأنية لمضمون المادة 29 يتضح أنه لا يجوز لرئيس الجمهورية الشروع في أي إجراء يرمي إلى مراجعة الأحكام الدستورية المتعلقة بمأمورية رئيس الجمهورية و شروط تجديدها الواردة في المادتين 26 و28 من الدستور، لكن هذ لا يتعارض مع وجود جهات أخرى يكفل لها الدستور الحق في مراجعة الأحكام الدستورية بما فيها الأحكام الواردة في المادتين 26 و 28 ، ونستند في هذا الطرح على نصوص الوثيقة الدستورية".
الأستاذ الباحث سيد اعمر ولد شيخنا يقول :" يثار اليوم في موريتانيا جدل سياسي وإعلامي حول نية الرئيس تمرير تعديل دستوري يسمح له بالبقاء في السلطة، وهو الموقف الذي تتصدى له قوى المعارضة بشكل حاسم ويقابل بتحفظ في المؤسسة العسكرية، بالإضافة لموقف فرنسا ذات التأثير الكبير في مجريات السياسة الموريتانية والتي أبلغت عددا من الساسة موقفها الرافض للتعديل الدستوري" .
وبحسب الكاتب المحلل الشيخ ولد المامي فإن "ما هو متاح أمام الرئيس الموريتاني للتمسك بالسلطة دون أن يقوم بتغيير الدستور، هو اختيار شخصية ضعيفة يضمن ولاءها لمأمورية رئاسية واحدة ويظل هو الرئيس الفعلي لكن من طرف خفي، على أن يعود بشكل علني للرئاسة عند انتهاء المأمورية، عدا هذا الخيار فإن أي خيار آخر يستلزم تعديلا دستوريا، الذي يتطلب بدوره موافقة شعبية وتوافقا من طرف الطبقة السياسية".
بينما يقول الباحث سيد اعمر ولد شيخنا: "على الرئيس الموريتاني أن يختار أحد السيناريوهات التالية، إما تغيير الدستور للتحول إلى النظام البرلماني بدل النظام الرئاسي، وهو مما يسمح لولد عبد العزيز بأن يصبح رئيس وزراء بصلاحيات كبيرة، أو إجراء تعديل دستوري، وستكون المراهنة في هذه الحالة، على جملة من الأمور من بينها، ولاء المؤسسة العسكرية وبالأخص الحرس الرئاسي الذي يحظى بتسليح نوعي، والقيام بتعبئة داخلية كبيرة لأنصاره عبر مسيرات ومظاهرات مؤيدة للتعديل الدستوري".