يشهد العصر الحديث تراجعا مخيفا في التواصل الإنساني والجسدي بين الناس بشكل ملحوظ، ما يفقدنا اللمسة الحانية والحضن الدافئ بما لذلك من فوائد نفسية وجسدية وصحية، بل إن الحضن يكون في معظم الأحيان أهم من ممارسة العلاقة الحميمية.
أدت الحياة الحديثة التي يقضي فيها معظم الناس أوقاتهم على الفضاء الالكتروني ومواقع التواصل الاجتماعي بالإضافة إلى ارتفاع معدلات الطلاق وتأخر سن الزواج في العديد من المجتمعات، إلى ندرة أو غياب أحد أهم عناصر التواصل الإنساني وهو “التواصل الجسدي”. فالحضن الدافئ بين أفراد العائلة الواحدة أو حتى الربت على الكتف بين الأصدقاء صار من الأمور النادرة، وهي مسألة لا تضر بالصحة النفسية فحسب بل والجسدية أيضا كما يؤكد الخبراء.
ولتعويض هذا النقص تنتشر في العديد من المجتمعات بدائل مختلفة لتحقيق التواصل حتى بين الغرباء سواء عن طريق أنواع التدليك (الماساج) المختلفة أو حتى ما يعرف بـ”حفلات الاحتضان” والتي يشارك فيها الراغبون في الحصول على الدفء الذي تمنحه لحظة الحضن، دون رغبة في علاقة جنسية. ولنفس السبب تنتشر أيضا في شوارع بعض المدن لاسيما الغربية، فكرة وقوف أحد الأشخاص بلافتة عليها عبارة “أحضان مجانية” للمارة، كما أن هناك اليوم العالمي للإحتضان .
ويرصد طبيب العلاقات الجنسية أوفيه هارتمان، الأستاذ بجامعة هانوفر الألمانية، ظاهرة أطلق عليها “الفقر المدمن في التواصل الجسدي”. ويقول الخبير في تصريحات نقلتها صحيفة “دي تسايت”، إن التواصل الجسدي بين الأزواج يقل مع الوقت. وبعد سنوات طويلة من الزواج تندر المواقف التي يحتضن فيها الزوج زوجته عند عودته من العمل أو من رحلة قصيرة على سبيل المثال.
ويظهر هذا الافتقار بشكل جلي في استطلاعات للرأي إذ أظهر أحد هذه الاستطلاعات في ألمانيا أن “الاحتضان” يأتي في المركز الأول في قائمة الأمور التي تجعل الإنسان سعيدا. جاء هذا حتى قبل الحياة الأسرية أو السفر أو النزهات الخلوية. ويبدو أن هذا الافتقاد يمتد حتى للمتزوجين إذ أظهر الاستطلاع أن نصف الزوجات وثلث الأزواج يتمنوا الحصول على حضن دافئ بعيدا عن العلاقة الجنسية.
فوائد صحية
أثبت الأطباء الفوائد الصحية العديدة للحضن، فهذا النوع من التلامس الجسدي يؤدي لإفراز هورمون الأكسيتوسين الذي يساهم في تقليل حدة الضغط العصبي، كما أن الحضن يؤدي لخفض ضغط الدم وتقليص إفراز هورمون الكورتيزول المسبب للتوتر كما تتراجع مشاعر الخوف والقلق.
ويؤدي الحضن المنتظم لتقوية جهاز المناعة كما يقلل من فرص التعرض لفيروسات نزلات البرد والأنفلونزا، وفقا لما خلصت إليه دراسة أجرتها جامعة كارنيغي ميلون الأمريكية.
ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل إن الدراسات أثبتت أن ثقة الطلبة في أنفسهم تزيد وتتراجع لديهم رهبة الحديث أمام باقي الزملاء، عندما يشجعهم الأستاذ بلمسة على الكتف. كما أن مواظبة المريض على تعاطي الدواء ترتفع أيضا عندما يحمسه الطبيب عند كتابة الوصفة الطبية بالربت على كتفه.
وتعتمد العديد من المستشفيات ودور المسنين على اللمسة الحانية كتقنية علاجية، لاسيما لدى من يعانون من الألزهايمر أو كبار السن الذين فقدوا التواصل مع العالم المحيط بهم، فهذه اللمسة من طاقم التمريض كفيلة بإعادة الشعور لهم بأنهم جزء من الحياة.
بون ـ دوتشية فيلة