انتهت الجولة الثالثة من مفاوضات جنيف اليوم الاربعاء دون تحقيق اي تقدم، بما في ذلك تحديد موعد انطلاق “الجولة الرابعة”، الامر الذي وضع رعاتها، وخاصة الولايات المتحدة وروسيا في موقف حرج للغاية، وجعل مهمة المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا امام طريق شبه مسدود.
بحسابات الربح والخسارة، يمكن القول ان وفد النظام السوري الذي رأسه السيد بشار الجعفري خرج فائزا من هذه الجولة دون ان يقدم تنازلا واحدا، واستعداده لقبول حكومة وطنية موسعة تشارك فيها “المعارضات” السورية بنصف المقاعد “مناورة” اعطت ثمارها، اما وفد الهيئة العليا للمفاوضات، او ما يطلق عليه “وفد الرياض”، حيث يوجد مقره في العاصمة السعودية، فكان احد اكبر الخاسرين لانسحابه من المفاوضات مبكرا، بسبب عدم التجاوب مع اي من مطالبه، وابرزها وضع مستقبل الرئيس بشار الاسد على قمة جدول الاعمال.
السيد ريا ض حجاب رئيس الهيئة العليا المعارضة طالب بعقد اجتماع استثنائي في باريس لمجموعة “اصدقاء سورية” لاحتواء “الوضع المتدهور على الارض، ووقف العدوان على الشعب السوري”، بينما يسعى المبعوث الدولي دي ميستورا لعقد اجتماع روسي امريكي على مستوى وزراء الخارجية لانقاذ العملية التفاوضية، واتفاق وقف اطلاق النار المنبثق عنها ايضا الذي يترنح حاليا.
***
مجموعة “اصدقاء سورية” التي يطالب بتحركها السيد حجاب “انقرضت” منذ ما يقرب العامين، ولم تعقد اي اجتماع جدي لها، وجرى استبدالها بمجموعة فيينا المكونة من 17 دولة بعد ضم ايران اليها، ونستغرب ان تغيب هذه الحقائق عن ذهن السيد حجاب.
الرئيس باراك اوباما اكد في حديث ادلى به الى شبكة تلفزيونBBC البريطانية اثناء زيارته الى لندن قبل ايام انه “سيكون من الخطأ ارسال قوات برية الى سورية لقلب نظام الرئيس الاسد، وان كل ما تستطيعه بلاده هو ممارسة ضغوط على الاطراف الموجودة في الساحة السورية للجلوس على مائدة المفاوضات، وان الحل العسكري وحده لن يسمح بحل المشكلات على المدى البعيد”.
نخلص من هذا الكلام للرئيس الامريكي الذي اصاب المعارضة السورية وحلفاءها بالاكتئاب، وانهيار الجولة الحالية من مفاوضات جنيف، الى ان “الحل الجزائري” الذي يؤمن به النظام بدعم من غطاء جوي روسي، هو الذي ربما سيسود في نهاية المطاف، وان كل الاحاديث عن الحلول السياسية الهدف منها كسب الوقت لا اكثر ولا اقل، للقبول بهذا الحل (الجزائري) في نهاية المطاف.
الجيش الجزائري، المدعوم بقوات الامن، قاتل الجماعات الاسلامية التي ثارت ضده بعد الغاء نتائج الانتخابات البرلمانية عام 1991 التي فازت فيها، لاكثر من عشر سنوات، سقط خلالها ما يقرب من 200 الف قتيل، وبموافقة الدول الغربية والعربية ايضا ومساندتها، وبعد ذلك تبنى الرئيس “الثعلب” عبد العزيز بوتفليقة، المدعوم من المؤسسة العسكرية حلا سياسيا يقوم على اساس اشراك بعض الجماعات الاسلامية في عملية سياسية انتخابية تحت مظلة نظامه، في اطار تعددية حزبية محسوبة بعناية.
لم يكن من قبيل الصدفة، ان تكون الجزائر اول دولة تكسر الحصار السياسي والدبلوماسي العربي المفروض على سورية، وتستقبل السيد وليد المعلم، وزير الخارجية السوري في عاصمتها الشهر الماضي، وترسل السيد عبد القادر مساهل الوزير المتعدد الحقائب (جامعة الدولة العربية، والاتحاد الافريقي، والشؤون المغاربية) قبل ايام الى دمشق، ولقاء الرئيس الاسد لعدة ساعات.
السيد مساهل اكد على تضامن بلاده مع سورية في مواجهة ما تتعرض له من جراء الارهاب، ولكنه اكد في الوقت نفسه تأييدها ومساندتها للحوار للوصول الى “حل سياسي”، ومصالحة وطنية، ولكن على الطريقة الجزائرية، وليس على طريقة دي ميستورا، وعملية فيينا، وقرارات مجلس الامن الدولي، وان لم يقل ذلك صراحة.
القيادة السورية تقف امام تجربتين تهتدي بهديهما، الاولى تجربة الحل العسكري الجزائري، والثانية تجربة التدمير السجادي الروسية في الشيشان، وتجد من الخبراء من الجانبين من يقدموا لها عصارة خبراتهم.
***
الجزائريون انتخبوا الرئيس بوتفليقة اربع مرات، خاض الاخيرة منها وهو على كرسي متحرك، واكد الكثير من المراقبين انهم فعلوا ذلك، اي الجزائريين او معظمهم، حبا في الاستقرار وخوفا من عودة “العشرية الدموية” وحقنا للدماء، ويراهن الرئيس الاسد الى وصول السوريين، او نسبة كبيرة منهم، الى النتيجة نفسها لاحقا، وبعد ان تعدى السنوات الخمس الاولى الاكثر صعوبة.
هل السيناريو الجزائري قابل للتطبيق في سورية، وهل سيتحقق رهان الرئيس الاسد على عامل الوقت الذي يعتقد انه يسير في صالحه؟ خاصة انه اكثر شبابا واقوى صحة من نظيره الجزائري، وقواته باتت تحقق تقدما مضطردا في بعض جبهات القتال؟ خاصة ريف حلب.
يصعب علينا الاجابة على هذه التساؤلات، فالساحة السورية تفاجئنا دائما بتطوراتها، فمن كان يصدق قبل خمس سنوات ان الجيش السوري سيصمد، وان روسيا ستتدخل عسكريا، وان تنظيم “الدولة الاسلامية” سيسيطر على نصف العراق وثلث سورية، ويُسقط نوري المالكي وحكومته، ويصّدر من النفط كميات اكبر من تلك التي تصدرها دول في منظمة “اوبك”؟
عدد كبير من الزعماء قالوا ان ايام الاسد في السلطة معدودة: الرئيس اوباما، رجب طيب اردوغان، ايهود باراك، وآخرون.. عدد كبير منهم، او معظمهم غادر السلطة، والبعض الآخر في الطريق.. والرئيس الاسد ما زال في قصر المهاجرين.
الانتظار وعدم اعطاء الاحكام المسبقة المتعجلة هو الخيار الافضل، وهذا ما نفعله في هذه العجالة، ايثارا للسلامة، فلا يعلم بالغيب غير الخالق جل وعلا.