لماذا نعيب على الحزب الحاكم وداعمي محمد ولد عبد العزيز سعيهم إلى شرح مضامين خطابه لنا – نحن العامة ومحدودي الفهم؟ لماذا نكابر فى عجزنا عن فهم كلام خطيب يقدمه حَواريُّوه على أنه آخر أحفاد قس بن ساعدة والوريث الحقيقي لطارق بن زياد، وجمال عبد الناصر، و الجنرال ديغول؟
لماذا لا نحمد الله الذي لا يُحمد على مكروه سواه أنْ وهبَنا رئبسا بهذه المؤهلات الخطابية والسمو الفكري، والمهارات القيادية، بينما يعيش العالم أزمة قيادة جَلية؟
بحثتُ كثيرا فى خطاب رئيسنا الأخير بمدينة النعمة عن أوجه شبه له – فى المضمون والسياق- مع خطبة طارق وهو يحرق سفنه، أو جمال وهو يعلن بناء السد العالي، أو ديغول وهو يؤسس الجمهورية الفرنسية الرابعة.
فعلا كان خطاب رئيسنا فى النعمة تحريفا لخطبة طارق بن زياد: ((أيها المتجمهرون، أين المفر؟ إنكم فى عهدي أضيَع من الأيتام فى مأدبة اللئام...لكنكم إن صبرتم على الأشق (ما تبقَّى من مأموريتي الثانية) استمتعتم بالأرفه الألذ (مأموريتي الثالثة)...إنني أول مجيب إلى ما دعوتُكم إليه (تعديل الدستور)... وعند ملتقى الجمعين (الإستفتاء) حاملٌ بنفسي على طاغية قومه"لُذَرِيقْ" فقاتِلُه -إن شاء الله تعالى (على المعارضة أن تتفق على لُذريق الموعود بالقتل)).
فى خطاب جمال عبد الناصر بمدينة "أسوان" يوم فاتح سبتمبر 1960بمناسبة البدء فى بناء السد العالي،وردت عبارة "أيها الإخوة" أكثر من ثلاثين مرة، بينما ضج خطاب رئيسنا فى النعمة بعبارات غير أخوية: "الأعداء"، " أهل لعريْفاتْ"، "المعارضة ما فيها لعْلياتْ...".
فى خطاب عبد الناصر تمت الإشادة بالشريك السوفياتي عرفانا بجميله، بينما لم يذكر رئيسنا بخير ولا شكْرٍ أشقائنا العرب وأصدقائنا الهنود الذين مولوا مشاريع الألبان والمياه والطرق.
فى خطاب عبد الناصر تم الإحتفاء بالعاهل المغربي – محمد الخامس- الذي كان حاضرا، و أثناء خطاب رئيسنا انشغل الناس بالسؤال عن كتيبة أجنبية مسلحة بالبنادق والذخيرة كانت تعسكر قرب منصة المهرجان.
كان خطاب عبد الناصر وحدويا وجامعا للعرب، وكان خطاب رئيسنا فئويا و موغلا فى الإستخفاف ببعض مواطنيه. وفى خطابه بمدينة (Bayeux) يوم 16 يونيو 1946، تحدث شارل ديغول عن نفسه فقال : ((...عندما تم وضع القطار على السكة انسحبتُ ، ليس فقط نأيًا بنفسي عن الصراع بين الأحزاب، وباعتبار ما يمكن أن أرمز إليه فى سياق الأحداث ملكا للأمة بأسرها، وإنما أيضا لأمنع أي تأثير على العمل التشريعي من قِبَلِ شخص يقود الدولة... والحقيقة أن أي اختلال فى الدولة يؤدي حتما إلى سخط المواطنين على المؤسسات، ويقود- عند أول فرصة- إلى الدكتاتورية)).
هل كان رئيسنا فى النعمة صريحا كمالجنرال ديغول فى التعبير عن رؤيته الدستورية للجمهورية الرابعة؟
فى نفس الخطاب،عبر الجنرال ديغول عن رغبته فى استحداث غرفة ثانية للبرلمان (مجلس الشيوخ) تكمل دور الجمعية الوطنية، بينما دعا رئيسنا فى خطاب النعمة إلى التخلص من هذه الغرفة.
وددْنا لو أن رئيسنا كان بالفعل مثل ما يحاول بعض حوارييه أن يقدموه لنا (قائدا أو منظِّرا أو عسكريا مثل طارق أوجمال أوديغول) لكن شواهد الخُطب والسياق والرؤية – للأسف- تؤكد أننا جزء من العالم الذي يعاني أزمة قيادة.
لا أستبعد أن يقول لنا بعض حَواريي رئيسنا غدا إن خطابه فى النعمة كان تأسيسا للنظرية العالمية الرابعة.
باباه سيد عبد الله