تهدد تعديلات مقترحة للدستور الموريتاني تفضي للسماح للرئيس محمد ولد عبد العزيز بولايات أخرى، بإفشال جلسات الحوار الذي تنظمه الحكومة منذ عشرة أيام لإقرار أجندة سياسية ذات أبعاد متعددة.
واضطرت السلطات لتمديد الحوار أسبوعاً إضافياً لتهدئة النفوس ولإنقاذ الحوار الذي هدد حزبان مشاركان فيه عن معارضة الوسط بالانسحاب من جلساته احتجاجاً على قضية الولايات وعلى تصريحات الناطق الرسمي الحكومي حولها وعلى مقترحات تعديل الدستور الواردة في وثيقة الحزب الحاكم.
وسارعت المعارضة المتشددة لانتهاز تصريحات الوزير الناطق الرسمي ووثيقة الحزب الحاكم، لشن الحرب على النظام حيث اتهمت النظام الحاكم في بيان سياسي نشرته أمس بتدبير «انقلاب على الدستور من خلال حواره المزعوم كما فعل قبل سنوات، تقول المعارضة، من خلال انقلابه على السلطة الشرعية في البلاد، مع الاستمرار في اختطاف البلاد عن طريق دستور جديد يكرس سلطة الفرد ويفسح المجال للالتفاف على المواد المزعجة للاستبداد في الدستور الحالي».
«فكيف يمكن أن نفهم، تتساءل المعارضة المتشددة المقاطعة للحوار، إصرار النظام على هذا التوجه الخطير في آخر ولاية لرئيسه إذا لم يكن من أجل استمراره في الحكم بطريقة أو بأخرى وبالتالي جر البلاد الى القلاقل وعدم الاستقرار؟».
وأضافت المعارضة «إن هذا التطور، الذي بدأ تحضيره من داخل جلسات المسرحية الجارية في قصر المؤتمرات، بالغ الخطورة وينبئ بما يحضر لهذا البلد من تهديد لاستقراره ومستقبله، فأي حديث عن فتح الولايات المحصنة يفتح قنوات كانت قد أغلقت ويفتح على البلاد أفقاً شاهدنا كيف هدد دولاً ووضع استقرارها في مهب الرياح».
«إنه على كل القوى الوطنية الجادة، يضيف البيان، سواء تلك التي أدركت حقيقته هذا «الحوار» والهدف منه وقاطعته أو تلك التي ظنت خيراً بهذا النظام وشاركت فيه، أن تتحمل المسؤولية لمواجهة هذا الانقلاب الجديد الذي يتخذ من حرية الشعب عنوانا مزورا، ويعتبر الدفاع عن حرمة الدستور مجرد أغنية عبثية».
وحذرت المعارضة من العبث بالدستور مؤكدة في بيانها «أن الدساتير ليست مجرد ورقة تلغى أو تعدل كل وقت وتخترق كل حين، بل هي وثيقة أساسية لا تغير إلا في أجواء التوافق ولتحقيق أهداف جامعة للوطن، لا لتلبية رغبات شخصية ومصالح ضيقة؛ وقد أثبتت هذه التطورات الخطيرة صحة موقف المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة عندما رفض الدخول في حوار بدون تحضير مشترك وبدون ضمانات تحصن البلاد من العبث بمصيرها كما يخطط له النظام عن طريق حواره الحالي».
وأعلنت المعارضة المتشددة «عن وقوفها الحازم ضد ما سمته «الانقلاب على الدستور» مبرزة «أنها ستواجهه بصرامة وحزم ولن تتركه يمر بحال من الأحوال وستبذل كل الجهود لإفشاله لأنه يشكل استمرارا للحكم الاستبدادي وتهديداً مباشراً لاستقرار البلاد وسلمها الاجتماعي ووأدا للمسار الديمقراطي».
ودعت المعارضة الموريتانية «القوى الوطنية كافة من أحزاب ومنظمات مجتمعية وشباب ونساء وشخصيات وطنية الى الوقوف صفاً واحداً لإفشال هذا الانقلاب الجديد».
وضمن الجدل الذي أثارته قنبلة الولايات، أعلن حزب الوئام الديموقراطي وهو من معارضة الوسط، «أن مفاجأته كانت كبيرة،عندما طرح ممثلو حزب الاتحاد من أجل الجمهورية (الحاكم)، قضية الولاية الرئاسية الثالثة خلال أعمال ورشات الحوار كي تتوازن حسب قولهم مع اقتراح حزب التحالف الشعبي التقدمي الداعي إلى زيادة السن المحددة للترشح للانتخابات الرئاسية.. والمشكلة أن هاتين القضيتين منصوص عليهما في المادتين 26 و28 اللتين تم تحصينهما بالمادة 99».
وأضاف الحزب «لقد رأينا كيف حاول الوزير الناطق باسم الحكومة أن يستهزئ بأهمية تحصين المواد الدستورية الذي وصفه بـ»تلك الأغنية» وبرجال السياسة المدافعين عن فكرة التحصين الذين أصبحوا مجرد مغنين.. وذهب به الأمر لحد أن وقع تحت طائلة القانون الجنائي الموريتاني الذي ينص في مادتيه 111 و112 على أن أي موظف عمومي يأمر بالمساس بالحريات الفردية للمواطنين أو بالدستور أو يقدم على ذلك يحكم عليه بالحرمان من الحقوق المدنية» وإذا كان برتبة وزير يحكم عليه بالأعمال الشاقة لمدة من الزمن».
«إن حزب الوئام الديمقراطي الاجتماعي، يضيف البيان، ليستنكر كلام الوزير ويذكر بأن رئيس الجمهورية أدى القسم مرتين واضعاً يده اليمنى على المصحف الشريف، على أن يحترم هذه الترتيبات الدستورية وأن يتجنب أي إجراء يهدف إلى تعديل المواد المحصنة من الدستور لا مباشرة ولا بصورة غير مباشرة ومعلوم أن استدعاء الناخبين للإستفتاء وإصدار التعديلات الدستورية من الصلاحيات المباشرة لرئيس الجمهورية».
وجدد حزب الوئام «موقفه المبدئي الذي يعارض التعديلات الدستورية عموما ويرفض على وجه الخصوص تعديل المواد المحصنة»، مؤكداً «أنه سيبقى منفتحاً على أي نقطة أخرى تطرح للنقاش، ويأمل أن تجري الأحزاب السياسية والشخصيات المستقلة، المشاركة في الحوار وغير المشاركة، مشاورات جادة ومسؤولة، للحفاظ على روح الحوار وتفادي منطق المواجهة».
وأكد التحالف الشعبي التقدمي المشارك في الحوار «أن حرصه على المشاركة لا يعدله إلا حرصه على جدية الحوار وروح التوافق التي هي شرط الكل»، مستغربا «أن تصدر عن جهات مسؤولة مواقف تلوح بإمكان العدول عن التوافقات المبدئية حيناً، وتصرح حيناً آخر بان مخرجات الحوار غير ملزمة في لاحق الخطوات المترتبة عليه، خصوصاً الاستفتاء المنظور، حيث ترى إمكانية التغيير أو التبديل أو الإضافة إلى المسائل المتحاور عليها».
وأضاف الحزب الذي يتزعمه مسعود ولد بلخير رئيس البرلمان السابق في بيانه «لئن كنا رفضنا الخوض في أي موضوع خارج عن المسودة المتفق عليها سلفاً، وذلك موقف نهائي بالنسبة إلينا، فإن استمرارنا في الحوار سيبقى رهناً بعدم المساس بالنقاط المقترحة للتدارس ولا مساومة في ذلك، وتبعا لهذا الموقف ستكون غير ملزم لنا أية إضافة أو تحوير أو تبديل في المخرجات، ولن نقبل أن نمضي في مسلسل نهاياته لا تنبني على مقدماته، وعلى من يحاول غير المتفق عليه أن يتحمل مسؤولية المراوغة وزيادة تعقيد الأوضاع المتأزمة أصلاً».
وتؤكد هذه البيانات كلها عمق الجدل الذي أثارته في جلسات الحوار الحالي، مطالبات مباشرة وغير مباشرة لتعديل الدستور لتمكين الرئيس محمد ولد عبد العزيز من الترشح لدورة ولاية إضافية يمنعه الدستور منها بعد انقضاء ولايته الحالية الثانية والأخيرة والتي ستنقضي منتصف عام 2019.
وينتظر الجميع نهاية الحوار الحالي والمخرجات التي سيتمخض عنها هذا الحوار المثير التي تقاطعه أطياف سياسية وازنة، تلك المخرجات التي يعتبرها الجميع ذات أهمية بالغة بالنسبة لمستقبل موريتانيا السياسي وبالنسبة لاستقرارها الذي تتهدده الانقلابات العسكرية منذ أكثر من ثلاثة عقود.
عبد الله مولود/نواكشوط – «القدس العربي»