إلى أين نسير؟/محمد الأمين ولد الفاضل

أربعاء, 10/12/2016 - 10:42

لقد قدِّر لي يوم السبت الماضي أن احتل مقعدا خلفيا في حافلة بلا تكييف، وكان ذلك خلال رحلة من مدينة لعيون شرقا إلى العاصمة نواكشوط غربا، ولم يكن الانترنت متاحا لي خلال الرحلة فأنا من الذين لا يستخدمون الهواتف الذكية، والحواسيب يصعب تشغيلها في حافلة مكتظة بالركاب. كما أني لم أصطحب خلال هذه الرحلة كتابا لأطالعه الشيء الذي جعلني أقع في مشكلة حقيقية، فلم يكن قطع 810 كلم من طريق الأمل بالأمر المريح، خاصة بالنسبة لمسافر لا يملك هاتفا مزودا بالانترنت، ولا يصطحب كتابا، وقدر له أن يحتل مقعدا خلفيا في حافلة بلا تكييف.

لقد وجدتني أمام مشكلة حقيقية، وكان عليَّ  بوصفي من المهتمين بالتنمية البشرية أن أتعامل مع هذه المشكلة بشكل إيجابي، فاستثمار المشكلة واستغلال الفرصة التي تتيحها هو من أهم الأساليب الإيجابية للتعامل مع المشاكل، فالمشاكل لا تأتي أبدا لوحدها، وكل مشكلة تأتي من ورائها فرصة, حتى وإن كان الكثير من الناس لا يشعر بالفرص التي ترافق المشاكل. لقد كانت الفرصة التي أتاحتها لي هذه الرحلة هو أنها منحتني نصف يوم كامل استثمرته في التفكير في قضية بالغة الأهمية، لم أكن لأفكر فيها كل هذا الوقت  لولا هذه الرحلة.  لقد أتاحت لي هذه الرحلة وقتا كافيا للبحث عن إجابة على السؤال الذي يطرحه في هذه الأيام الكثير من الموريتانيين، إنه السؤال الذي يقول : إلى أين نسير أو إلى أين تسير البلاد؟

إن البحث عن إجابة على هذا السؤال تفرض علينا أن نطرح سؤالا آخر يقول: أين هي موريتانيا الآن؟ وإذا ما اكتفينا في هذا المقام بالجانب السياسي فإنه يمكننا أن نقول بأن موريتانيا تقع الآن على نقطة حرجة جدا من منعرج بالغ الخطورة  في طريق متهالك ومليء بالحفر.

إن موريتانيا التي تعودت منذ انقلاب العاشر من يوليو 1978 على السير على طريق وعر مليء بالحفر قد وصلت الآن إلى حافة الحفرة الأكثر خطورة في هذا الطريق، ذلك أن السلطة الحاكمة  قد استهلكت كل شعاراتها ولم يعد بإمكانها أن ترفع شعارا جديدا لإلهاء المواطنين، فالحرب على الفساد، والتغيير البناء، والاهتمام بالفقراء، وتجديد الطبقة السياسية كلها شعارات قد انتهت صلاحيتها ولم تعد تقنع أحدا، وليس هناك أي شعار آخر يمكن رفعه الآن، اللهم إلا إذا كان شعار الحوار، والذي بدأ هو أيضا يقترب من انتهاء عمره الافتراضي .نحن إذاً أمام سلطة لم يعد بإمكانها أن ترفع شعارا، أما أن تقوم بإنجازات فعلية فذلك ليس بالأمر المتوقع، وذلك لأنها لم تنجز في سنوات الرخاء، فكيف لنا أن نتوقع منها انجازات في سنوات العسر والشدة؟

والمعارضة حالها لا يختلف كثيرا عن حال السلطة، فهي كذلك قد استنفدت في السنوات الماضية الكثير من طاقاتها ومن قدراتها في المسيرات المتجهة إلى مسجد ابن عباس. كما أنها استهلكت شعار الرحيل، ولم يعد بالإمكان رفعه الآن، وذلك على الرغم من أن الظرفية الحالية كانت هي الأنسب لرفع ذلك الشعار.  نحن إذاً أمام معارضة استنفدت الكثير من قدراتها وشعاراتها، ولم تستطع أن تصنع تغييرا في زمن ثورات الربيع العربي فكيف يمكننا أن نتوقع منها أن تحدث تغييرا في زمن الثورات المضادة؟ 

بالمختصر المفيد إن السلطة والمعارضة تعيشان منذ مدة حالة من التوازن في الضعف.

إن هذا التوازن في الضعف لا يمكن أن يستمر طويلا، ولابد له من أن يختل، ولذلك فقد كان من المهم للطرفين أن يجتمعا على طاولة حوار جدي يهيئ الظروف المناسبة لتناوب سلمي على السلطة في العام 2019، ولكن يبدو أن الرئيس قد ارتأى أن ينظم حوارا شكليا سيزيد من  وعورة الطريق ومن اتساع  الحفرة التي توجد بلادنا على حافتها.

وللإجابة على السؤال أعلاه، فقد حاولتُ خلال ساعات الرحلة الطوال أن أضع نفسي مكان الرئيس محمد ولد عبد العزيز، وعندما قمتُ بذلك وجدتني أمام ثلاث خيارات صعبة كان عليَّ أن اختار واحدا منها:
الخيار الأول : أن أعمل من أجل تهيئة الأرضية لنجاح رئيس في انتخابات 2019 يكون محل ثقتي، هذا الخيار جعلني أفكر تلقائيا في تجربتي غير الموفقة مع الرئيس السابق، والذي أوصلته إلى الرئاسة، ومع ذلك فقد كاد أن يتخلص مني في فجر الأربعاء 6 أغسطس من العام 2008، ثم إن هناك شيئا آخر كان يقلقني أكثر، وهو أن الرئيس الذي سأعينه إلى الوصول إلى السلطة سيحاول أن يستفيد من أخطاء الرئيس سيدي، وسيفكر من أول لحظة في تقليص نفوذي شيئا فشيئا إلى أن تأتي اللحظة المناسبة للتخلص مني.

الخيار الثاني : أن أعمل خلال ما تبقى من مأموريتي الثانية على خلق جو توافقي مع الجميع وخاصة مع المعارضة، وأن أعمل على إطلاق حوار جدي يتيح لي الخروج الآمن من السلطة في العام 2019. مشكلتي مع هذا الخيار هو أنه يصعب عليَّ أن أثق في المعارضة، وأخاف من أن تُخِلَّ هذه المعارضة بتعهداتها من بعد خروجي من السلطة، ومن المشاكل التي يطرحها أيضا هذا الخيار هو أني سأجد صعوبة كبيرة في إقناع المعارضة بأني جاد هذه المرة في الحوار معها.

الخيار الثالث:  أن أتشبث بالبقاء في السلطة حتى آخر رمق، وأن أعمل من أجل تشريع مأمورية ثالثة رغم ما قد يتسبب فيه ذلك من مخاطر جمة قد تأتي من الداخل وقد تأتي من الخارج. إن هذا الخيار يناسبني أكثر، فأنا أمتلك روحا مخاطرة، وقد تعودت في حياتي أن أخاطر كثيرا، وأنا لستُ من أولئك الذين يقبلون بنصف انتصار أو بنصف هزيمة، فإما أن أربح كل شيء أو أن أخسر كل شيء.

وإذا ما عدنا إلى تصرفات الرئيس عزيز خلال السنتين الماضيتين من مأموريته الثانية فسنجد بأن كل تلك التصرفات توحي بأن الرجل هو أقرب إلى الخيار الثالث، أي إلى التشبث بالسلطة والتشريع لمأمورية ثالثة.
في بداية الأمر فكر الرئيس عزيز في أن يشرع  المأمورية الثالثة عن طريق المعارضة، وقد قرر لذلك أن يتقدم بعروض مغرية ومفاجئة ومن هنا جاءت وثيقة الوزير الأول التي دعت إلى انتخابات بلدية وتشريعية ورئاسية سابقة لأوانها مع توفير كافة الضمانات المطلوبة. لم تستطع الوثيقة رغم عنصر المفاجأة ورغم ما فيها من مغريات أن تجر المعارضة إلى حوار سريع، بل على العكس من ذلك فقد كان من اشتراطات المعارضة أن يتعهد الرئيس علنا بعدم الترشح لمأمورية ثالثة، وكان ذلك مما صدم الرئيس.
لقد تأكد الرئيس المتشبث بمأمورية ثالثة بأن المعارضة لن تعينه على تشريع تلك المأمورية ومهما كان حجم المغريات المقدمة لها، ومن هنا جاء التفكير في خطة بديلة لتشريع مأمورية ثالثة، فكانت المبادرات الشعبية التي تم دعمها بتصريحات تدعو إلى مأمورية ثالثة أطلقها وزراء في الحكومة الحالية.
تزامنت تلك المبادرات الشعبية مع اضطرابات حصلت في بعض البلدان الإفريقية بسبب دعوات مماثلة، فلم يكن من  بعض الأطراف الخارجية إلا أن أبرقت رسائل تحذر من مأمورية ثالثة في موريتانيا.
أوقف الرئيس تلك المبادرات الشعبية والرسمية، وأجرى مقابلة مع إحدى الجرائد الأجنبية لطمأنة الجهات الخارجية بعدم تفكيره في مأمورية ثالثة، ولكنه في المقابل بدأ يفكر في أسلوب جديد لتمرير مأمورية ثالثة، ويبدو أنه قد اهتدى إلى خطة ترتكز على :
1ـ تنظيم حوار في ظل غياب أهم الأحزاب المعارضة 
2ـ إصدار وثيقة عن هذا الحوار ستشكل مشروعا لدستور جديد.
3ـ لن تكون المطالبة الصريحة بمأمورية ثالثة من نتائج هذا الحوار، ولن تكون في مشروع الدستور الجديد أي مادة تزيد من عدد المأموريات، ولكن في المقابل فإن الدستور الجديد لن تكون به أي مادة تحد من عدد المأموريات. هذا التوجه يظهر من خلال إحدى وثائق الحزب الحاكم التي أصدرها مؤخرا.
ستعمل السلطة على اعتماد وثيقة الحزب الحاكم كوثيقة صادرة عن الحوار بعد أن تضاف لها بعض مقترحات الأحزاب الأخرى، بشرط أن لا يكون من بين تلك المقترحات أي مقترح يتضمن نصا صريحا بتحديد المأموريات باثنتين.
بعد ذلك سيتم عرض هذه الوثيقة على استفتاء شعبي ستستخدم فيه الدولة كل ما تملك من وسائل الترغيب والترهيب من أجل الرفع من نسبتي المشاركة والتصويت بنعم، وهنا يكون الرئيس قد تخلص من الدستور الحالي والذي كان يحول دون أي زيادة في عدد المأموريات.

إن العمل وفقا لهذا المسار سيزيد من تعقيد الأمور وسيقربنا أكثر إلى تغيير غير آمن قد يتم بواحدة من طريقتين:

أولهما : انقلاب عسكري، ومن الراجح بأن الانقلاب العسكري القادم سيأتي من قيادات عسكرية في الصف الثاني، وهو ما سيزيد من احتمال حصول مواجهات داخل الجيش، وسيكون من الصعب إيقاف تلك المواجهات في وقت مبكر كما حصل في المحاولة الانقلابية في الثامن من يونيو 2003. وعندما تستمر المواجهات بين أطراف الجيش لفترة غير قصيرة فإن ذلك سيعني بأن موريتانيا قد دخلت في نادي الدول الفاشلة.

ثانيهما : أن تنفجر الأوضاع وأن تحصل ثورة شعبية، وعندما تنفجر ثورة شعبية في بلد كبلدنا قد فخخت لحمته الوطنية، ويعاني من الكثير من التشظي الاجتماعي، ولا توجد به زعامات محل إجماع للمعارضة كما كان حاصلا في بداية التسعينيات، وذلك في الوقت الذي تحيط به دول بعضها له أطماع وبعضها غير مستقر ويعاني من فتن داخلية. فأن تنفجر ثورة شعبية في بلد كبلدنا وفي ظرفية كهذه فإن ذلك سيعني بأن موريتانيا ستتحول ـ لا قدر الله ـ إلى دولة فاشلة. 

المقلق في الأمر هو أن زمان هذه الثورة أو ذاك الانقلاب قد أظلنا، ولن يحول بيننا وبينه إلا تنظيم حوار جدي يمهد لتناوب سلمي على السلطة. المقلق أكثر أن احتمالات تنظيم مثل ذلك الحوار قد أصبحت ضعيفة جدا، هذا إن لم أقل بأنها قد أصبحت منعدمة تماما.

حفظ الله موريتانيا..    

محمد الأمين ولد الفاضل

[email protected]