تتجه الساحة السياسة الموريتانية نحو مواجهة ساخنة بين حكومة الرئيس محمد ولد عبد العزيز التي قررت مواصلة تنفيذ أجندة الحوار الأخير، والمعارضة المتشددة التي قاطعت ذلك الحوار، والتي اتفق أقطابها على الملامح العامة لحراك سياسي موسع لإحباط ما تسعى الحكومة لإرسائه عبر الاستفتاء الذي أعلن الرئيس عن تنظيمه مستهل السنة المقبلة.
وبعد أن كان الاتجاه هو تأويل المادة 38 من الدستور والاتكاء على ذلك في عرض التعديلات الدستورية التي تمخض عنها الحوار على استفتاء شعبي مباشر خوفاً من عرقلة الشيوخ لهذه التعديلات التي تشمل إلغاء غرفتهم، قرر الرئيس الموريتاني المرور بالمواد الخاصة بتعديلات الدستور والتي تنص على وجوب عرض أي تعديل في الدستور على البرلمان لإجازته قبل عرضه على الاستفتاء.
ومهد الرئيس ولد عبد العزيز لقراره هذا، بمقابلات انفرادية مع أعضاء مجلس الشيوخ الموالين له، أقنعهم خلالها بقبول إلغاء غرفتهم مقابل ما ذكرت أوساط مطلعة أنه «التزام من الرئيس بانتخاب الشيوخ الذين سيفقدون مقاعدهم الانتخابية، رؤساء للمجالس الجهوية المقررة وهي المناصب التي تفوق امتيازاتها المادية والمعنوية امتيازات عضوية مجلس الشيوخ».
واختار الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز القيام بجولات داخلية تعبوية لإسناد أجندته السياسية للمرحلة المقبلة والتي تشمل بين أمور أخرى، تنظيم استفتاء شعبي حول تعديلات الدستور، وتنظيم انتخابات برلمانية وبلدية سابقة لأجلها، وإلغاء مجلس الشيوخ والاستعاضة عنه بمجالس جهوية.
وفي الإطار نفسه، أنهى الرئيس ولد عبد العزيز أمس جولة في مناطق ولاية تغانت شمال شرق البلاد امتدح فيها الإنجازات التي حققها نظامه ، كما عقد جلسات حوار مع السكان طولب خلالها الرئيس بالترشح لولايات رئاسية إضافية رغم أن الدستور يحظر ذلك.
وبالنسبة للمعارضة الموريتانية فإنها تبدو مرتبكة في الوقت الراهن بسبب خلافاتها الداخلية وتباين أجندات أقطابها ولعدم توفرها على الوسائل المادية اللازمة للتحرك، لكنها بدأت، حسبما تؤكده أوساطها، تعد لخطة سياسية لإفشال ما يسعى له الرئيس وموالاته وأنصاره.
وحسب وكالة «الأخبار» المستقلة فإن «المعارضة اتفقت على خطة تتألف من محاور عدة بعضها سياسي، ودبلوماسي، وإعلامي، والبعض الآخر تكتيكي وميداني».
«وقررت المعارضة، حسب المصدر ذاته، التركيز على الربط بين الاستفتاء الدستوري بوصفه خطوة أحادية، وغيره من تصرفات السلطة، والأزمات التي شهدتها موريتانيا في ظل حكم ولد عبد العزيز، وخصوصاً الأوضاع المعيشية الصعبة للسكان، وانتشار الفساد، وقضايا الاسترقاق، ونهب الممتلكات العمومية».
وفي المحور الدبلوماسي تزمع المعارضة الموريتانية تنظيم لقاءات بين قادتها وشركاء موريتانيا في الخارج لشرح موقف المعارضة من تعديل الدستور، إضافة لإجراء لقاءات مع الهيئات الديبلوماسية المعتمدة في نواكشوط.
ولإفشال الخطة الحكومية قررت المعارضة كذلك، تنظيم سلسلة مسيرات ومهرجانات سياسية في المدن الداخلية.
وفيما تؤكد هذه التحركات أن موريتانيا مقبلة على شتاء سياسي ساخن، انشغلت مواقع إخبارية محلية بتتبع مؤشرات التوتر بين فرنسا القوة الاستعمارية السابقة التي لها تأثيرها على الشأن الداخلي الموريتاني، ونظام الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز الذي هو أحد حلفائها.
وفي هذا السياق، أعلنت وكالة «الطوارئ» الإخبارية المستقلة أن وفداً أمنياً موريتانياً يضم الجنرال محمد ولد مكت المدير العام للأمن الوطني والفريق سلطان ولد أسواد قائد أركان الدرك الوطني سيبدأ اليوم زيارة عمل لفرنسا مخصصة لمناقشة العلاقات التي توصف بالفاترة بين باريس ونواكشوط.
وسيبلغ الوفد الوفد الأمني الموريتاني، حسب المصدر نفسه، السلطات الفرنسية احتجاج موريتانيا الرسمي على حملة التشويه التي استهدفت موريتانيا مؤخراً من طرف جهات إعلامية وسياسية وحقوقية فرنسية، كما سينقل الوفد عدم ارتياح الحكومة الموريتانية لهذا الاستهداف الذي يرى نظام نواكشوط أن وتيرته تزايدت في الفترة الأخيرة.
وفي الإطار نفسه نقل موقع «الصحراء» الإخباري الموريتاني عن مصادر صحافية محلية تأكيدها «بأن العلاقات الرسمية الموريتانية الفرنسية ليست في أفضل حالاتها في الوقت الراهن».
ومن مؤشرات ذلك التوتر ذكر الموقع «رد السلطات الموريتانية القوي على البيان الأخير لسفارة فرنسا حول الاعتداء الذي وقع في نواكشوط ضد مقيمة فرنسية، حيث اعتبر مسؤول أمني موريتاني رفيع أن السفارة الفرنسية بالغت في هذه القضية التي لا تعدو كونها حادثاً عادياً».
وأضاف الموقع «..لكن هذا في الواقع ليس سوى الجزء الظاهر من جبل الجليد، فبيان سفارة فرنسا جاء بعد يوم من بيان آخر صادر عن السفارة الأمريكية حول تقارير تتحدث عن هجمات إرهابية محتملة في بلدان بينها موريتانيا».
«وعلى الرغم من أن سفارة فرنسا أصرت على ألا علاقة لبيانها ببيان السفارة الأمريكية، فإنه يعتبر على ما يبدو استهدافاً للسلطات السياسية والأمنية؛ لذا يجب علينا أن ننظر إلى أسباب أبعد من ذلك؛ فالرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز، لا يخفي نواياه بإعادة النظر في التاريخ الاستعماري، حيث أكد عزمه خلال زيارته الحالية لولاية تغانت على «إعادة كتابة» تاريخ البلدين، ويتعلق الأمر بإبراز المقاومة ضد المستعمر الفرنسي، بل إن هناك معلومات تتحدث عن استدعاء وزارة الخارجية لسفير فرنسا في نواكشوط للاحتجاج عليه».
ومن المؤشرات الدالة على فتور علاقات باريس بنواكشوط استقبال المعارض بيرام ولد اعبيد من قبل المسؤولين الفرنسيين وهو الاستقبال الذي استفسرت عنه موريتانيا وردت الحكومة الفرنسية بأنها استقبلت المعارض ولد اعبيد بصفته مرشحاً سابقاً للرئاسة في انتخابات 2014.
ومن مؤشرات التوتر التي تتبعتها المواقع الإخبارية الموريتانية، أن جولة رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس الأخيرة في غرب أفريقيا لم تشمل موريتانيا رغم ما يربط موريتانيا وفرنسا من علاقات واسعة في المجال الأمني.
عبد الله مولود «القدس العربي»