تابع الموريتانيون، سياسيون ومدونون، أمس انشغالهم بمتابعة تطورات وتجليات الأزمة التي فجرتها تصريحات أمين عام حزب الاستقلال قبل أيام في علاقات بلادهم مع المغرب.
واعتبر الكثيرون منهم أن الأزمة كانت لصالح الطرف الموريتاني حيث أنها أجبرت المغرب على سلسلة اعتذارات وتنازلات ما كانت لتقدم لهم لو لم يعلن حميد شباط أن موريتانيا جزء من المملكة المغربية.
وقد تشارك المدونون الموريتانيون على صفحاتهم اعتذار صحيفة «العلم» لسان حال حزب الاستقلال الذي ورد في افتتاحية أعادت المواقع الإخبارية الموريتانية نشرها على نطاق واسع.
وأكدت الصحيفة في افتتاحية الاعتذار «إذا كان من اللازم الاعتذار للشعب الموريتاني، لما قد يكون ترتب من سوء فهم تصريحات الأمين العام لحزب الاستقلال، فإن الأمين العام وقيادات حزب الاستقلال، لا تتردد في الاعتذار لموريتانيا الشقيقة رئيسا وحكومة وشعبا».
وذَكَّرَت الافتتاحية بالسياق الذي جاءت فيه تصريحات شباط المثيرة، حيث أكدت أن» الأمين العام للحزب كان بصدد الحديث عن سياق تاريخي مضى وولى، وموقف حزب الاستقلال من موريتانيا الشقيقة هو بالضبط ما أكده جلالة الملك للرئيس الموريتاني محمد عبد العزيز في الاتصال الأخير بينهما».
وشددت الافتتاحية على أن «العلاقة الجيدة والممتازة بين الشعبين الشقيقين المغربي والموريتاني أكبر مما قد يكون البعض يخطط للإساءة إليها، علاقات تاريخية جيدة ومتينة، واجهت عواصف كثيرة ولكنها خرجت دوما منتصرة وأكثر قوة».
وحملت الصحيفة من سمتهم «الصيادين في المياه العكرة» مسؤولية «تحميل تصريحات شباط ما لا تحتمل»، مستطردة قولها «شباط كان يرتجل خطابا سياسيا أمام الحاضرين.. ومن الطبيعي أن ينتهز خصوم وأعداء حزب الاستقلال الفرصة لتوجيه ضربة يأملون دوما أن تكون قاضية لجسد وروح حزب الاستقلال».
وفيما حيا مدونون عديدون كرم العاهل المغربي الملك محمد السادس وأخلاقه العالية في تعامله مع الأزمة حيث اعتذرت حكومته واعتذر بنفسه في مكالمة مع الرئيس الموريتاني، وأوفد رئيس الحكومة المغربية، ذهب مدونون آخرون مذهبا آخر حيث اعتبروا أن الرئيس الموريتاني هو المنتصر في تسييره لهذه الأزمة.
وكتب المدون النشط فاضل محمد منتشيا بالنصر»في أقل من 24 ساعة تعتذر الخارجية المغربية ويتصل الملك مجددا الاعتذار ويبعث بن كيران معتذرا باسم حكومته لقائد الأمة الموريتانية، الذي جسد بهذا المشهد أن الجمهورية الإسلامية الموريتانية أصبحت بالفعل قوة إقليمية تنحني العروش تفاديا لسخطها.. شكرًا لفخامة الرئيس محمد ولد عبد العزيز الذي أعاد هيبة الزلاقة لسماء سيادتنا بعد طول غياب».
وعبرت أمينة بنت عن زهو كبير بالانتصار حيث دونت تقول «أصبحت موريتانيا دولة يحسب لها ألف حساب».
وحيا المدون الموريتاني حبيب الله ولد أحمد حكمة العاهل المغربي وكتب يقول «فى هذه كنت حكيما، جلالة الملك»، وأضاف مشددا اللهجة «اليوم علينا أن نفهم أن العلاقة الموريتانية المغربية لا تؤمن بصولجان محمد السادس ولا بصلف محمد ولد عبد العزيز ولا حتى بالتمدد الصحراوي الأخير والاهتمام الجزائري به وبعلاقات قوية مع موريتانيا؛ الملك فهم أن ركوب الرأس ليس فى صالحه، فمفاتيح أزمة الصحراء يمكن استنساخ أهمها في نواكشوط وتوتير العلاقات يضر المغرب قبل موريتانيا، فأنا لست بحاجة للقول بأن الموريتانيين يتعالجون في المغرب ويتاجرون ويدرسون ويقيمون بأمن واحترام والمغاربة يعملون في موريتانيا ويتاجرون ويدخلون أنواع البضائع دون مشكلة وأن هناك حركية تجارية تخدم الشعبين والبلدين وأنهما شعبان في خندق واحد يواجهان مخاطر الإرهاب والهجرة السرية والجريمة العابرة للحدود وعصابات تهريب المخدرات وغيرها».
«الملك، يضيف ولد أحمد، تحرك أخيرا بتبصر وتعقل وروية ووصلته رسالة موريتانية عاجلة بأنه لم يعد مقبولا من أشقائنا تجاوزونا أو التهجم علينا تحت أي ظرف من الظروف وأننا بنفس ما ننفع كأشقاء وجيران قد نضر كأعداء إذا فرض علينا الاستعداء القسري».
وبخصوص موقف الرئيس الموريتاني، أكد المدون في تحليله «أن الرئيس عزيز للأمانة لاذ بصمت كان مناسبا للوصول لهذه النتيجة وأظنه هذه المرة كان ذكيا حيث لم يتوقف للرد على الحملة المغربية بل راقبها بهدوء يشبه صمت القبور ربما حرقا للأعصاب فكانت النتيجة مكالمة ملكية وابتعاث وفد مغربي رفيع المستوى يرأسه بن كيران وهما خطوتان تحلان محل اعتذار رسمي عن الحملة الإعلامية المغربية على موريتانيا وبخاصة أنه كان هناك ابتداء بيان لوزارة الخارجية المغربية تبرأ من تصريحات شباط الذي بدا معزولا هناك».
«وهنا، يضيف المدون، عادت المياه إلى مجاريها الطبيعية وانتهت الأزمة العابرة مع أنه علينا أن نتذكر سنوات طويلة من المد والجزر في تاريخ العلاقات الرسمية بين المغرب وموريتانيا تبعا لما تفرزه الساحة الإقليمية من أحداث مرتبطة بنزاع الصحراء ولم يحدث حتى فى نشرة الطقس على قناة «الجزيرة» أن بدت سماوات نواكشوط والرباط والجزائر صافية بالتزامن»، فما نريده الآن هو أن تتوقف الحملات، ومن ناحيتنا كموريتانيين لم نبدأها أصلا لكننا نوقفها بكل قوة إذا لاحظنا عودتها، وينبغي أن تفهم الجزائر والبوليزاريو أن التقارب الموريتاني المغربي ليس على حساب أي منهما فالحياد لا رجعة فيه والعلاقات مع الجزائر اليوم في أفضل فتراتها أما الشعب الصحراوي فهو شعب أخ وجار وشقيق وعلاقته بالشعب الموريتاني أزلية لا تؤثر عليها أية استقطابات داخلية أو خارجية».
وأكد الكاتب السياسي الموريتاني إسماعيل يعقوب في تدوينة حول الموضوع «قدر القرار الموريتاني أن تكون له ضرتان أكبر منه سنا تتنافسان في الغيرة والدلال والتمنع كلما التفت إلى الأخرى أو العكس؛ وقدر الشعوب في الدول الثلاث أن تستمع إلى الإذاعات الرسمية بشكل دائم كلما اشرأبت الأعناق وظن الظانون أن لا شيء «مزيان» أو «لاباس» أو «لباس».
وزاد المدون « يريد المزارع المغربي البسيط أن يجد سوقا لمنتوجاته في موريتانيا وأفريقيا، ويريد اللاجئ الصحراوي المسكين أن يرى نهاية للجوئه الطويل، ويريد الموريتاني المراقب أن يزور عيون الساقية الحمراء ومراكش الحمراء، دون منغصات؛ وما تشـاؤون إلا أن يــشاء الله».
وأضاف «السياسات المتعاقبة في شبه المنطقة فشلت في إقامة جيرة مستقرة؛ وفي الإتيان بإجابات شافية على ما علم من العافية بالضرورة، ولكن البقاء للأصلح؛ فسوف لن يقرأ القراء في شبه المنطقة ولن يستمعوا سوى لمن ألقى عصا التهييج والسقوط أيا كانت جنسيته أو هوية حبره؛ وعمل، سياسيا كان أو صاحب فكر مستنير، على قول الحق بلباقة وعلى الاختلاف بترفع».
عبد الله مولود
نواكشوطّ ـ القدس العربي