الجدل السياسي الصاخب بين قوى المعارضة والموالاة كان أهم ما يميز عام 2016 في موريتانيا، التي تودع هذه السنة وعينها على استحقاقات انتخابية محتملة في 2017، بما يرجح استمرار هذا الجدل.
الإرهاصات الأولى لهذا الجدل كانت في الثالث من مايو/أيار 2016 عندما أطل الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز من مدينة “النعمه” أقصى شرقي البلاد، بخطاب أعلن فيه عزمه إجراء تعديل دستوري، يتم بموجبه إلغاء مجلس الشيوخ (إحدى غرفتي البرلمان) وإنشاء مجالس جهوية (إدارية) بالولايات، في خطوة بررتها الحكومة لاحقا بأنها تستهدف ترسيخ اللامركزية في البلاد.
وردت المعارضة سريعا بسلسة بيانات ومظاهرات عبرت من خلالها عن رفضها أي مساس بالدستور.
ورأت المعارضة أن تعديل الدستور في هذه الظروف مجرد تمهيد لتطويع الدستور الموريتاني لاحقا من أجل تهيئة الطريق أمام ولاية رئاسية ثالثة للرئيس الحالي ولد عبد العزيز الذي يحكم البلاد منذ 2008.
لكن رئيس البلاد رد يوم 21 أكتوبر/تشرين أول 2016 بتصريحات قطع فيها الشك باليقين، وأعلن صراحة أنه لن يترشح لولاية رئاسية ثالثة، وإن أشار في الوقت ذاته إلى أنه لن يبتعد عن المشهد السياسي بكل تفاصيله.
قوبل التصريح سريعا بترحيب من أغلب القوى السياسية بما فيها بعض أحزاب ما يعرف بـ”المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة” (يضم 14 حزبا سياسيا معارضا وكبرىات الهيئات النقابية).
هدأت المشاحنات السياسية قليلا، قبل أن تعود من جديد، مع بروز تصريحات من هناك وهناك، تطالب الرئيس ولد عبد العزيز بالعدول عن قراره وخوض جولة ثالثة من الانتخابات الرئاسية المقررة منتصف 2019.
من بين تلك التصريحات ما نسب لرئيس حزب “الاتحاد من أجل الجمهورية” الحاكم، سيدي محمد ولد محم، والذي دعا للتمسك بولاية ثالثة للرئيس ولد عبد العزيز، وهو ما يتنافي مع مقتضيات الدستور.
عادت أحزاب المعارضة الرئيسية بما فيها أحزاب “المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة” وحزب تكتل القوى الديمقراطية (معارض)، للتصعيد عبر سلسلة تصريحات لقادة هذه الأحزاب اعتبروا فيها أن حديث ولد عبد العزيز عن عدم الترشح لولاية ثالثة مجرد “خدعة” لتهدئة الشارع في انتظار “اكتمال الطبخة”.
ورسمت أحزاب المعارضة الرئيسية (المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة، وحزب تكتل القوى الديمقراطية) خطة موحدة لإفشال الاستفتاء على الدستور وفرض مغادرة الرئيس للسلطة بعد انتهاء فترة ولايته الحالية (منتصف 2019)، بحسب وسائل إعلام محلية سربت ما قالت إنها “وثيقة” تتضمن خطة تدعو لفاعليات احتجاجية من أجل سد الباب أمام مشروعية التعديلات الدستورية.
وتضمنت الخطة تنظيم سلسلة مظاهرات في جميع مدن البلاد الرئيسية، وصياغة خطاب جامع ومعبر ومقنع يؤكدا على رفض ما سمته تلك الوثيقة “الحوار الأحادي الذي يعمق الشرخ والخلاف السياسي”، في إشارة لمؤتمر الحوار الوطني الذي نظمته الحكومة نهاية سبتمبر/أيلول الماضي واستمر لأسابيع، وقاطعته قوى المعارضة الرئيسية.
وكانت نتائج مؤتمر الحوار الوطني دعت، بالإضافة لإلغاء مجلس الشيوخ وتشكيل المجالس الجهوية، إلى تغيير العلم والنشيد الوطنيين بوضع إضافات عليهما تؤكد روح الوحدة التي تعيشها البلاد.
وفي هذا السياق دعت الوثيقة المسربة للمعارضة إلى التركيز على نقطة رفض المساس بالعلم والنشيد الوطنيين ورفض إلغاء غرفة مجلس الشيوخ.
واعتبرت الوثيقة السرية أن من شأن ذلك “إشعال معركة سياسية” يمكن أن تؤدي إلى سد الباب أمام التعديلات الدستورية.
وبالفعل نفذت المعارضة جزء من خطتها، خصوصا الجانب المتعلق بالتصعيد الإعلامي عبر الظهور الدائم على المحطات الإذاعية والتلفزيونية الخاصة، لانتقاد سياسية الحكومة والتشكيك في حقيقة تصريحات الرئيس بشأن مغادرته للبيت الرئاسي منتصف العام 2019.
لكن القوى المعارضة لم تتمكن منذ تسريب وثيقتها من تنظيم مهرجانات احتجاجية في أي من مدن البلاد.
وحين وجه سؤال لرئيس حزب تكتل القوى الديمقراطية أحمد ولد داداه، الثلاثاء الماضي، عن عجز المعارضة عن تنظيم تعهدها بالنزول للشارع رفضا لتعديل الدستور أجاب بالقول في تصريحات صحفية: “تم التأجيل من أجل الإعداد المحكم لتلك المظاهرات والمسيرات التي ستكون فاعلة وقوية وتحقق المراد منها، التنسيق جار بين جميع أحزاب المعارضة بهذا الخصوص”.
** احتواء غضب شيوخ الأغلبية
الجدل السياسي الذي شهده 2016، لم يكن بين المعارضة والموالاة فقط، لكن امتد إلى داخل البيت الحكومي، أيضا، عندما نشبت أزمة قوية بين الحكومة وأعضاء الفريق البرلماني لحزب “الاتحاد من أجل الجمهورية” الحاكم، وذلك بعد امتعاض البرلمانيين في الأغلبية من تصريحات لعدد من أعضاء الحكومة، وصفوا فيها مجلس الشيوخ بأنه غرفة “عديمة الفائدة ومجرد عبء على ميزانية الدولة”.
ولوح رجال الحزب الحاكم بمجلس الشيوخ أكثر من مرة برفض تمرير التعديلات الدستورية المرتقبة إن هي أحيلت إليهم، فيما يشبه عصيانا برلمانيا.
ورفض مجلس الشيوخ استقبال بعض أعضاء الحكومة داخل الغرفة، غير أن رئيس البلاد، استطاع احتواء الأزمة، من خلال اجتماعات مصالحة متعددة داخل القصر الرئاسي، انتهت ببيان صادر عن الشيوخ الغاضبون أعلنوا فيه انتهاء الأزمة واستقبال الوزراء بالمجلس.
** عام الاستحقاقات الانتخابية
مع نهاية عام 2016، يتطلع الموريتانيون لسنة جديدة ستكون حافلة بالاستحقاقات الانتخابية، فمن المرتقب أن يشهد الشهر الأول أو الثاني من عام 2017 الاستفتاء على الدستور، بحسب مصادر حكومية تحدثت أيضا عن عزم الرئيس الموريتاني الدعوة لانتخابات برلمانية وبلدية نهاية العام 2017، قبل موعدها المحدد في اواخر 2018.
ما تحدثت عنه المصادر يرجحه ما جاء في مشروع الموازنة العام للدولة لسنة 2017، حيث ضمنت فيها الحكومة بندا خاصا بنفقات الانتخابات بغلاف مالي قدره 5 مليارات أوقية (14 مليون دولار).
نواكشوط / محمد البكاي / الأناضول: