تحدثت وسائل إعلام موريتانية أمس عن عزم السلطات المغربية توقيف النشاط السياسي لاثنين من أكبر معارضي الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز يقيمان منذ فترة طويلة بالمغرب، هما ابن عمه رجل الأعمال محمد ولد بوعماتو والسياسي المخضرم مصطفى ولد الإمام الشافعي.
وقد أعادت مواقع إخبارية مغربية بعضها مقرب جداً من السلطات، نشر أخبار مماثلة تتعلق بهذه الملف، ما أكسب المعلومات التي تداولتها وسائل الإعلام الموريتانية، قدراً كبيراً من المصداقية.
ونقلت وكالة أنباء «الحرية نت» الموريتانية المستقلة أمس عن مصادر وصفتها بـ«خاصة»، تأكيدها «أن حكومة نواكشوط حملت الوزير الأول المغربي عبد الإله بن كيران طلباً بإنهاء نشاط أبرز سياسيين معارضين للنظام الموريتاني ويتعلق الأمر برجلي الأعمال المصطفى ولد الإمام الشافعي، ومحمد ولد بوعماتو، وذلك كشرط لإعادة مياه العلاقات إلى مجاريها».
«ورغم أن رئيس الوزراء المغربي، تضيف الحرية نت»، لم يبد (خلال مقابلته الأخيرة للرئيس الموريتاني)، استعداد الرباط لتلبية الطلب الموريتاني، لكنه تعهد برفع هذا الطلب إلى القصر الملكي، فالأمر بالنسبة له يتعلق بملف من اختصاص القصر ولا يمكن للحكومة البت فيه».
وأوضحت «الحرية نت» نقلاً عن مصادرها «أن هذه النقطة كانت من أبرز القضايا التي تحدث عنها بن كيران أمام العاهل المغربي الملك محمد السادس بعد عودته من مهمة الاعتذار التي أداها لموريتانيا مؤخراً إثر تصريحات حميد شباط التي هزت العلاقات».
«وتوقع المراقبون، تضيف «الحرية نت»، أن يأتي الرد سريعاً من القصر على الشرط الموريتاني، لكن الأمر استغرق أياماً قبل أن تخرج يوم أمس بعض التسريبات التي تقول إن المغرب طلب من أبرز خصمين للرئيس ولد عبد العزيز مغادرة البلاد». وأضافت «الحرية نت» تقول « لكن مصادر من الرباط أكدت لـ «الحرية نت» أن الأمر لن يرقى إلى مستوى الطرد، لكن سيطلب من المواطنين الموريتانيين عدم مزاولة العمل السياسي على الأراضي المغربية، وهو ما سيكون اشتراطاً صعباً، خاصة بالنسبة لولد الشافعي الذي يتنفس السياسة وله علاقات سياسية دولية بارزة مع عدد من القادة في إفريقيا وأوروبا».
وزادت «الحرية نت» قولها «يزاول رجل الأعمال ولد بوعماتو السياسة مكرهاً، بعد أن اختلف مع الرئيس ولد عبد العزيز واختار المنفى الطوعي في المغرب، ليكون من أبرز الداعمين مادياً لخصوم ولد عبد العزيز الذين دأبوا جميعاً على زيارته للحصول على بركاته المادية».
وأكدت في تحليلها لهذا الملف «أن معارضة ولد الشافعي للرئيس محمد ولد عبد العزيز ستظل الأكثر تأثيراً على نظامه، ولذا فسيكتفي المغرب بإسكات الرجلين ووقف عطاياهما، وستعتبر هذه الخطوة بادرة حسن نية لا يمكن تجاهلها، نظرا لحجم تأثيرها على المشهد السياسي الداخلي الموريتاني». وخلصت «الحرية نت» إلى التأكيد «على أن الجميع ينتظر قرار المغرب بشأن الطلب الموريتاني»، مبرزة «أن الأنظار ستظل متجهة نحو الرباط، لأن الموريتانيين يرون في مواقف المغرب خطراً على الأمن القومي الموريتاني»، حسب تعبير «الحرية نت». هذا واستبعدت مصادر مقربة من مصطفى الشافعي أن يقبل المغرب هذا الشرط وذلك لسبب بينته السلطات المغربية للسلطات الموريتانية مؤداه أن الرجلين بوعماتو والشافعي، لا يمارسان السياسة بشكل علني مفتوح على التراب المغربي. وبينما يقيم رجل الأعمال محمد ولد بوعماتو في المغرب بجنسيته الفرنسية لا الموريتانية، تستفيد السلطات المغربية من علاقات ولد الشافعي الواسعة بزعماء القارة الإفريقية وهي العلاقات التي يحتاجها المغرب حالياً في معركته التي يخوضها للعودة إلى مقعده بالاتحاد الإفريقي خلال مؤتمره المقرر آخر الشهر الجاري.
وكانت السلطات المغربية قد اعتذرت في وقت سابق عن رفضها تسليم المعارض بوعماتو للسلطات الموريتانية لكونه يقيم بالأراضي المغربية بوصفه مواطناً فرنسياً لا موريتانياً، لكن المغاربة محرجون ويدركون أن تطبيع العلاقات مع نواكشوط، وهو أمر يهمهم كثيراً، مربوط بتسليم أو طرد أو إسكات هذا المعارض المزعج».
وواجه الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز استضافة المغرب لمعارضيه بجملة من الضغوط السياسية الذكية بينها تخفيض مستوى التمثيل الدبلوماسي في المغرب بترك مقعد السفير الموريتاني في الرباط شاغراً منذ أكثر من سنتين، ومنها تسخين العلاقات مع البوليساريو، ومنها الاصطفاف مع الجزائر في مواقفها داخل الاتحاد الإفريقي. واستغل الرئيس الموريتاني بذكاء الزوبعة التي أثارتها مؤخراً تصريحات أمين عام حزب الاستقلال المغربي حميد شباط لممارسة ضغوط أقوى.
ويظل احتضان المغرب لرجل الأعمال الموريتاني المعارض محمد ولد بوعماتو، الذي يستغل موقعه الاستراتيجي لتبخيس الرئيس ولد عبد العزيز أمام السلطات المغربية، السبب الأساسي، حسب المراقبين وحسبما أكدته الأحداث، لاستمرار التوتر في العلاقات الموريتانية المغربية. وما يقوله ولد بوعماتو عن الرئيس الموريتاني له وقعه الكبير لأنه ابن عم الرئيس الموريتاني ولأنه كان أبرز داعم سياسي ومالي له في انقلابه الذي نفذه في آب/أغسطس 2008 ضد الرئيس المنتخب سيدي ولد الشيخ عبد الله. ويقيم محمد ولد بوعماتو، البالغ من العمر 56 سنة والذي يقود مجموعة صناعية ومالية كبرى، منذ سنوات، في مراكش إحدى أهم المدن المغربية ويدير منها أعماله. وواجه ولد بوعماتو قبل هجرته للمغرب، مضايقات من نظام الرئيس ولد عبد العزيز الذي فرض إجراءات ضريبية مشددة على شركاته في موريتانيا.
وأسس مؤخراً «هيئة تكافؤ الحظوظ في أفريقيا» بدعم مجموعة كبيرة من المحامين والحقوقيين الأوروبيين والأفارقة، وهي هيئة مختصة في محاربة الفقر في القارة الأفريقية ودعم الديمقراطيات الناشئة فيها، وهو ما اعتبره النظام الموريتاني تهديداً له، ولعلاقاته الدبلوماسية مع دول العالم.
ومع أن أهداف هيئة بوعماتو المعلنة خيرية بحتة، إلا أن الكثيرين يعتبرونها معدة أيضاً للقيام بأدوار سياسية في موريتانيا وبالتحديد في انتخابات 2019 التي سينتخب خلالها رئيس آخر لموريتانيا مكان الرئيس الحالي الذي يوشك أن ينهي ولايتيه الرئاسيتين غير قابلتين للتمديد، حسبما ينص عليه الدستور الموريتاني.
«القدس العربي»