قوبل بارتياح كبير أمس خطاب تصالحي ألقاه الحقوقي الموريتاني بيرام ولد الداه الذي يرأس مبادرة انبعاث الحركة الإنعتاقية ( إيـرا) المناهضة للرق، بمناسبة عودته إلى موريتانيا بعد رحلة سياسية طويلة شملت دولاً إفريقية وأوروبية عدة وخصصت لانتقاد النظام الحاكم في موريتانيا واتهامه بالتستر على الرق.
وأوقفت السلطات عبور الأشخاص والبضائع على مستوى مدينة روصو المحاذية للسنغال، للسماح بعبور هادئ لولد الداه الذي كان مصحوباً بعدد من قياديي حركته التي يصفها خصومها بالتطرف.
وأعلن ولد الداه في أول خطاب تصالحي يلقيه منذ بدأ حربه ضد رق تنكر السلطات وجوده، أنه «يجدد مد يد التسامح والأخوة والتكاتف لكل الموريتانيين وبخاصة أولئك الإخوة في الوطن والدين والتضحية الذين سعت دعاية السلطة جاهدة إلى الوقيعة بيني وبينهم، وسربت معطيات مغلوطة تشي بأنني أحمل لهم غلاً وأنوي لهم إساءة».
واعتذر عن موقفه من المذهب المالكي، قائلاً «أما تلك التصريحات التي نطلقها أحياناً ضد بعض الفتاوى فهي من باب المطالبة برفع الظلم، والإسهام في نصح العلماء، وإرشادهم من أجل تبيين الحق الناصع، لأن أعراض «الحراطين» (الأرقاء السابقين) والمعلمين (الحدادين) وآخرين إنما استبيحت باسم فهومات ظالمة منحرفة للدين، وحقوقهم إنما أخذت باسم تلك الفهومات المحرفة وضمن نظام إقطاعي شبه جاهلي، وهي سانحة لكي أطلب من جميع العلماء العاملين تمحيص الفقه المالكي».
ودعا ولد الداه الرئيس محمد ولد عبد العزيز «لحوار جاد يبحث تسوية ملف انتقال السلطة بصفة ديمقراطية عند نهاية مأموريته الحالية والتحضير لانتخابات رئاسية شفافة عام 2019 لا يترشح فيها ولد عبد العزيز، وذلك نظراً لأن ترشحه غير مقبول وغير ممكن».
وهاجم بيرام بشدة أنصار الرئيس ولد عبد العزيز والداعين لتمديد لحكمه قائلاً «إنهم منافقون يدعمون من في السلطة، ولا يعول عليهم في حل أزمات البلاد، بل إنهم أول من يقلب ظهر المجن حين تدور الدائرة على النظام الذي كانوا يدعمونه».
ودعا الناشط الحقوقي بيرام ولد جميع النشطاء السياسيين والإعلاميين ورجال الأعمال في موريتانيا للتعبئة من أجل رفع الحظر عن حزب «الرك» (تسعى حركته لتأسيسه)، وبقية الأحزاب المحظورة لأسباب عنصرية وفئوية مناقضة للدستور»، حسب قوله.
وأكد ولد الداه على مراجعة ما اعتبره «سياسات ظالمة ومشوهة لسمعة موريتانيا في الخارج»، والتي أكد «أن رأس النظام ينتهجها من خلال منع بعض المعارضين من دخول موريتانيا من أمثال المصطفى ولد الإمام الشافعي ورجل الأعمال محمد ولد بوعماتو والصحافي حنفي ولد دهاه والكاتب سيدي عالي ولد بلعمش وعناصر فرقة «أولاد لبلاد»، مشددا القول بأن «هؤلاء كلهم مواطنون موريتانيون مشردون نظراً لمعارضتهم لنظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز».
ورحبت أطراف في المعارضة الموريتانية بمضامين خطاب ولد الداه واستنكرت منع سلطات الحدود الموريتانية لأنصاره من استقباله في مدينة روصو حيث تجمعوا لذلك بأعداد كبيرة.
وانتقد حزب اتحاد قوى التقدم المعارض في بيان وزعه أمس «الأسلوب المستفز الذي تعامل به النظام مع أنصار ومناضلي حركة «إيرا» لدى عودة زعيمهم الناشط الحقوقي بيرام ولد الداه ولد أعبيدي إلى بلاده».
واستنكر الحزب ما سماه «التوجه الخطير الذي يستهدف الحريات العمومية والفردية المكفولة بنص الدستور»، مثمناً «الخطاب التصالحي لرئيس حركة «إيرا»، آملا «أن يكون ذلك أساساً لمستقبل الفعل السياسي لهذه الحركة وغيرها من الأطر التنظيمية الوطنية».
وتسعى مبادرة انبعاث الحركة الانعتاقية «إيرا» التي يرأسها ولد الداه، حسبما يستشفه خصومها من خطابها، لفصل مجموعة «الحراطين» الذين يدعون بأنهم يشكلون غالبية في المجتمع الموريتاني عن عرب موريتانيا أو «البيضان» كما يسمون، وإحداث مواجهة بينهم على أساس أن العرب مسترقون وأن «الحراطين» ضحايا الاسترقاق وهو ما يرى البعض أنه قد يقود موريتانيا لحرب أهلية.
وتخوض حركة «إيرا» نضالاً يستغربه الكثيرون لكونه بدأ بحرق كتب المذهب المالكي، بحجة أنها تتضمن نصوصاً فقهية استرقاقية، وانتهى بسب علماء البلد ووصفهم بمشرّعي الاسترقاق.
وكان بيرام ولد الداه رئيس حركة «إيرا»، قد حصل على الرتبة الثانية بعد الرئيس ولد عبد العزيز في الانتخابات الرئاسية التي جرت منتصف العام قبل الماضي، كما حصل على جائزة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان لعام 2013.
«القدس العربي»