لقد وقع النظام الحاكم في ورطة حقيقية يبدو أن الخروج منها ستكون له كلفته السياسية الباهظة، ويبدو أن أولئك الذين اقترحوا أن تكون هناك تعديلات دستورية تهدف إلى تغيير العلم وإلى إلغاء مجلس الشيوخ، وأن يتم التصويت على تلك التعديلات في استفتاء شعبي مباشر من قبل نهاية العام 2016،
يبدو أن أولئك الذين اقترحوا مثل ذلك الاقتراح قد سعوا باقتراحهم ذلك إلى أن يوقعوا الرئيس ولد عبد العزيز في فخ سياسي لن يكون الخروج منه سهلا.
لقد اتضح للجميع بأن الرئيس ولد عبد العزيز لم يكن قادرا على تنفيذ مخرجات الحوار في الوقت الذي تم تحديده في توصيات المتحاورين، فها هو العام 2016 يودعنا من قبل أن يتم تنظيم استفتاء شعبي على التعديلات الدستورية.
ولا يتوقف العجز هنا عند احترام الآجال، بل إنه امتد ليشمل مضمون التوصيات، فها هو النظام القائم يكشف عن عجزه عن تنظيم استفتاء شعبي مباشر، ويُطالب بدلا من ذلك بتنظيم مؤتمر برلماني لتمرير التعديلات الدستورية المقترحة.
الأخطر من كل ذلك هو أن النظام القائم لم يظهر بأنه عاجز فقط عن تنفيذ توصيات الحوار، بل أظهر بأنه عاجز أيضا عن تنفيذ التزامات وتعهدات الرئيس التي قال فيها وعلى الملأ بأنه سينظم استفتاء شعبي مباشر على التعديلات الدستورية من قبل نهاية العام 2016، قال ذلك في خطاب النعمة، وكرره في قصر المؤتمرات عند اختتام الحوار، وأعاده مرة ثالثة في تجكجة في اجتماعه بالأطر، وإن كان في تجكجة قد غير قليلا من توقيت الاستفتاء الشعبي، فتحدث عن مطلع العام 2017 بدلا من نهاية العام 2016.
إن الخطورة تكمن في أن الرئيس الذي كان يُسَوَق للشعب بأنه رئيس شجاع وقوي وجريء جاء من بعد رئيس ضعيف ومتردد، ها هو هذا الرئيس القوي والجريء يظهر اليوم أمام الشعب بمظهر العاجز والضعيف والمتردد، والذي لا يستطيع أن ينفذ التزاما كان قد قطعه على نفسه في شرق البلاد وفي وسطها.
اللافت في الأمر بأن الرئيس الحالي قد كرر كل الأخطاء التي كان قد برر بها انقلابه على الرئيس السابق: أسفار كثيرة مقابل أسفار كثيرة؛ هيئة خيرية مقابل هيئة خيرية؛ فساد مقابل فساد؛ غياب محكمة عدل سامية مقابل غياب محكمة عدل سامية؛ غلاء مقابل غلاء؛ انفلات أمني مقابل انفلات أمني؛ انسداد سياسي مقابل انسداد سياسي. حتى الضعف والعجز والتردد وهي صفات ظهر بها الرئيس السابق، ها هو الرئيس الحالي يظهر بها وبشكل جلي وواضح.
ولعلكم تذكرون بأن الرئيس السابق كان قد هدد بحل البرلمان في خطاب له، ولكنه تراجع عن ذلك الوعد أو عجز عن تنفيذه، ولعلكم تذكرون أيضا بأن الرئيس الحالي كان قد وعد وفي أكثر من خطاب بإلغاء مجلس الشيوخ، فهل سيعجز هو أيضا عن إلغاء هذا المجلس؟ إلى الآن فإن كل المؤشرات تقول بعجزه، فلا هو بقادر على تنظيم الاستفتاء الشعبي الذي سيلغي هذا المجلس. أما إلغاء المجلس عن طريق مؤتمر برلماني فستواجهه هو أيضا صعوبات جمة، وهي صعوبات يمكن تقسيمها إلى قسمين:
صعوبات من قبل تنظيم المؤتمر
تتمثل هذه الصعوبات في رفض المعارضة المحاورة لتمرير التعديلات الدستورية عن طريق مؤتمر برلماني، ولعل البيان الأخير الذي أصدره حزب التحالف الشعبي التقدمي ليؤكد بأن هناك صعوبة كبيرة في حصول إجماع لدى المتحاورين على القبول بتنظيم مؤتمر برلماني بدلا من استفتاء شعبي مباشر. يمكنكم أن تلاحظوا بأن بيان حزب التحالف الشعبي التقدمي كان سريعا على غير عادة، وقويا، وتم توقيعه من طرف المكتب التنفيذي للحزب مما يعني بأن التراجع عن مضمونه سيأتي على ما تبقى من مصداقية لهذا الحزب . بيان حزب التحالف الشعبي لم يكن مجرد تصريح يمكن التراجع عنه، فهو ليس مجرد تصريح أطلق في قاعة من أجل الحصول على مكاسب تفاوضية أكبر، إنه بيان تم توقيعه من طرف المكتب التنفيذي، وتم نشره على نطاق واسع مما يعني بأن التراجع عنه لن يكون بالأمر السهل.
هناك صعوبات أخرى تتمثل في أن الرأي العام لن يكون من السهل إقناعه بتغيير بعض رموز الوطن (العلم الوطني) من خلال مجلس شيوخ مشكوك في شرعيته، وتجاوز عمره الافتراضي بأربع سنوات، أو من خلال جمعية وطنية تغيب عنها أحزاب معارضة وازنة. إن الحجج التي يحاول الموالون أن يبرروا بها ضرورة إبدال الاستفتاء الشعبي بمؤتمر برلماني ليست مقنعة، فهم يقولون بأن السبب يعود إلى ضرورة ترشيد أموال الشعب في هذه الظرفية الاقتصادية الصعبة، فأين ذهب الاحتياطي الكبير من العملات الصعبة؟ وهل تبخر الفائض في الميزانية؟ ويقول الموالون أيضا بأن من الحجج التي جعلتهم يبدلون الاستفتاء بالمؤتمر هو أنهم لا يريدون أن يتعبوا المواطن بالتصويت يوم الاقتراع، خاصة وأن هناك طريقة أخرى أقل مشقة لتمرير تلك التعديلات. من أين جئتم بهذا الشفقة على المواطن؟ ومتى تنزلت عليكم هذه الرحمة؟ إن من يريد أن يشفق حقا على المواطن المسكين وأن يرحمه، عليه ـ من قبل أي شيء آخر ـ أن يخفف عن ذلك المواطن أعباء الحياة، وأن يوفر له الأمن، والعمل، والتعليم، والصحة، وذلك كله من قبل التفكير في التخفيف من مشقة ساعة أو ساعتين قد يقضيهما ذلك المواطن عند مكتب انتخابي للتصويت على تعديلات دستورية تمس قضايا وطنية هامة.
كذلك، فإن من الصعوبات التي سيواجهها هذا المؤتمر من قبل انعقاده هو أن الموالاة ليست على قلب رجل واحد، وصراعاتها التي لا تتوقف أبدا ستربك التحضير الجيد للمؤتمر البرلماني، ولذلك فقد سارع الوزير الأول إلى تنظيم مأدبة عشاء لنواب الموالاة ولشيوخها ليقول لهم بأن الحكومة قد قررت تنظيم مؤتمر برلماني بدلا من الاستفتاء الشعبي، قال لهم ذلك من قبل أن تتفق عليه لجنة متابعة الحوار، والتي يقودها خصمه، وكأنه بذلك قد أراد أن يقول للمعارضة المحاورة بأن رأيها غير مهم، وبأن موافقتها غير ضرورية، وبأن الحكومة هي من يحدد طريقة الاستفتاء، وبأنه على الجميع أن ينصاع لقرارات الحكومة.
صعوبات عند تنظيم المؤتمر
سيواجه النظام صعوبات كبيرة عند محاولته لتمرير التعديلات الدستورية عن طريق مؤتمر برلماني، ومن الراجح بأن التصويت لن يكون لصالح تلك التعديلات، فهناك الشيوخ الذين لن يقبلوا بسهولة بأن يتم إلغاء مجلسهم، وهناك بعض النواب الموالين الذين يعارضون تعديلات دستورية في مثل هذا الوقت، وهناك من يعارض بشكل قوي وسري تغيير العلم الوطني.
هناك إشارات عديدة تؤكد بأن تمرير التعديلات الدستورية عن طريق مؤتمر برلماني لن يكون بالأمر السهل، واسمحوا لي بأن أحتفظ لنفسي بتلك الإشارات، وذلك لأن المقام لا يناسب تعدادها ولا بسطها.
إن ما يمكن قوله هنا، هو أن الاستفتاء على التعديلات الدستورية سيوقع الرئيس ولد عبد العزيز في ورطة حقيقة، هذا إن لم يكن قد وقع في تلك الورطة، حتى ومن قبل أن يبدأ الاستفتاء على تلك التعديلات الدستورية.
حفظ الله موريتانيا..