تابع الموريتانيون أمس انشغالهم بتداعيات أزمة غامبيا مزهوين جميعهم بالإنجاز الدبلوماسي الذي حققه رئيسهم محمد ولد عبد العزيز في وساطته التي أقنعت الرئيس المهزوم يحيى جامع بالتخلي عن السلطة وحمت غامبيا من حرب كانت ستندلع فيها.
وكشفت الساعات الأخيرة لأزمة غامبيا عن صراع بين الحكومتين الموريتانية والسنغالية حول غامبيا، حيث وقفت السنغال إلى جانب الرئيس المنتخب آدما بارو وقرعت طبول الحرب للضغط على الرئيس جامع، بينما عارضت موريتانيا الحرب وتمكنت من حل المشكلة ومن إنقاذ صديقها الرئيس جامي الذي كان سلوكه «عروبياً» لفرضه اللغة العربية في بلد لا ينطق فيه أحد بها، و«إسلاموي الهوى» لتحويله غامبيا إلى جمهورية إسلامية.
وأشار الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز لصراعه مع الرئيس السنغالي مكي صال في تصريح له أمس قال فيه «هذا الاتفاق انتصار لدعاة السلم على دعاة العنف ومن يقرعون طبول الحرب ظنا منهم أن بوسعهم تسوية هذه المشكلة وفق ذلك الخيار».
وأضاف «منطقتنا تحظى بأهمية بالغة ومن مسؤوليتنا جميعاً المحافظة عليها وتجنيبها المخاطر، تفادياً لانضمامها إلى المناطق الثماني المشتعلة في إفريقيا، وهو ما كان سيحدث لو تم تبني خيار العنف في حل المشكل الغامبي».
ودعا الحزب الجمهوري الحاكم في موريتانيا في بيان افتخر فيه مطولاً أمس بنجاح وساطة الرئيس « قادة المنطقة وساسة الجوار ونخبه لاستخلاص الدرس من هذه الأحداث، ولاتخاذ النهج الذي رسمه الرئيس سبيلاً وحيداً للتعاطي مع الأزمات، والعمل على تعزيز استقرار المنطقة، ولجعله عامل تقدم وتنمية وأمن في تقوية وترسيخ الديمقراطية في دولها».
وفيما أهمل تجمع المعارضة التعليق على وساطة الرئيس، يحيا بيان لحزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية المعارض (محسوب على الإخوان) في بيان له أمس «مبادرة الوساطة الموريتانية الغينية التي نجحت ووفقت في التوصل لاتفاق سلمي جنب غامبيا خطر تدخل عسكري وشيك».
وأكد الحزب «على ضرورة أخذ العبرة جيداً من الدرس الغامبي الهام، وهو أن شعوب المنطقة لم تعد تقبل أو تسمح بأي نوع من أنواع الالتفاف على خياراتها الديمقراطية، وأنها مستعدة للوقوف بعزم وحزم في وجه كل محاولة لإعادة تكريس الديكتاتورية وحكم الفرد».
وفيما وجه الإعلام الرسمي الموريتاني برامجه الحوارية نحو الإشادة بوساطة الرئيس الموريتاني في أزمة غامبيا انشغل المدونون الموريتانيون بمختلف مشاربهم بتحليل الوساطة الموريتانية والحديث عن انعكاساتها على مستقبل العلاقات الموريتانية الغامبية. وأكد المدون البارز إكس ولد إكس أكرك «أن السنغال لعبت بذكاء وكسبت حليفاً جديداً في بانجول هي بحاجة إليه، ولعبت موريتانيا بوساطة لإخراج آخر الحلفاء في المنطقة..فمن منا الخاسر؟».
وأضاف المدون «لست من الباكين على رحيل الديكتاتور جامع، لكن من منطلق المصالح التي هي مرتكز السياسة أقول إن المنتبذ القصي (موريتانيا) فقد حليفاً مهما في المنطقة».
وخفف المعارض محمد الأمين الفاظل من أهمية الوساطة وأضاف في تدوينة له أمس «يا أهل الموالاة.. خففوا علينا من فضلكم، فلدى الرئيس ولد عبد العزيز الكثير من الأخطاء، والمبادرة في الداخل لحل الأزمة السياسية التي تزداد تعقيداً، أولى من المبادرة في الخارج لحل الأزمات في الدول الشقيقة».
وخصص الدكتور اعل ولد اصنيبه تدوينة له لتوجيه النصح للرئيس الغامبي الجديد فأكد «أن على الرئيس بارو أن يتحلى بالحكمة، وأن يبعد نظامه عن تصفية الحسابات الإثنية وأن يهتم بالتوازات الجيوسياسية».
وقال «على الرئيس الغامبي الجديد أن يدرك بأن لسلفه الرئيس جامي قومية ولهذه القومية قوميات حليفة ولسلفه حلفاء في شبه المنطقة أيضا، وله رؤساء حلفاء بين رؤساء شبه المنطقة، ولذا فعليه ألا يثير كل هؤلاء، فبإمكان الرئيس المهزوم أن يقود تمرداً عسكرياً كما سبق أن فعله الكثيرون، وأن يضرب الاستقرار والأمن في غامبيا بل وفي شبه المنطقة، إذا دفعته الظروف داخل غامبيا لذلك».
وتوقع الدكتور محمد سالم ولد دودو «أن يزيد تغيير النظام في غامبيا والوساطة الموريتانية من حدة التوتر الحاصل منذ فترة في العلاقة بين موريتانيا والسنغال، وأن يزيد من متانة العلاقة التاريخية بين موريتانيا وغامبيا، وأن يخفف عن غامبيا حدة تغول السنغال جارتها المباشرة الوحيدة».
وفي تحليل لانعكاسات الأزمة الغامبية، أكد الدكتور الباحث سيد أحمد ولد الأمير «أن هذه الأزمة قد كشفت عن تناقض غريب لدى صانع القرار في السنغال، فكيف يكون الرئيس ماكي صال من دعاة الحوار مع بليز كومباري وحامل لواء التفاهم والتصالح في أزمة بوركينافاسو في يوليو 2015 في حين يرفض أي صيغة للحوار مع يحيى جامي ويسارع إلى إرسال الجنود السنغاليين وبدء عملية عسكرية».
وتساءل الباحث قائلاً «هل موقف الرئيس مكي صال كان انتصارًا للديمقراطية ودفاعاً عن مكاسبها أم أن هناك اندفاعاً وراء حسابات شخصية وانجراراً وراء ضرورة إذلال يحيى جامي وإرغامه على الخروج صاغراً تحت القهر؟ لماذا هنالك دعوة للتهدئة وتغليب للتحاور في بوركينافاسو، وهنا تسرع نحو الحسم العسكري وتغليب منطق القوة في غامبيا؟».
وأضاف قائلاً «ما فائدة دولة منكوبة يتم التلاعب بمصيرها باسم قيم ديمقراطية يتم ركوب موجتها إذا اتفقت مع المصالح الخاصة ويُغض الطرف عن تلك القيم إذا لم تكن متناغمة مع تلك المصالح؟».
وقال «لذلك كانت الدبلوماسية الإفريقية ممثلة في التحرك الموريتاني والغيني ناضجة بما فيه الكفاية، وقد سعت الدولتان في ظل ظروف إقليمية غير مواتية واستطاعتا رغم وقوف أكبر وأهم دولتين في غرب إفريقيا: نيجيريا والسنغال في وجه مسعاهما، أن تصلا إلى تجنيب غامبيا فتنة لا تبقي ولا تذر».
عبد الله مولود نواكشوط – «القدس العربي» :