دعت المعارضة الموريتانية الجادة المنضوية بجميع أطيافها في المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة، أمس أعضاء البرلمان الموريتاني من نواب وشيوخ «إلى تحكيم ضمائرهم إذا دعتهم الحكومة لعقد مؤتمر لإجازة تعديلات الدستور، وعدم تحمل المسؤولية في المصادقة على تعديلات يرفضها شعبهم وتشوه علمهم الوطني وتزيد الأزمة السياسية تفاقماً في بلدهم».
وتواجه تعديلات الدستور التي تمخض عنها حوار نظمته الحكومة في شهر تشرين الأول/أكتوبر الماضي وقاطعته المعارضة الجادة، انتقادات حيث يرفضها المنتدى المعارض جملة وتفصيلاً، بينما تطالب المعارضة المحاورة بإجازتها عبر استفتاء شعبي يكسبها الشرعية بدل تمريرها عبر مؤتمر لغرفتي البرلمان.
وأكدت المعارضة الموريتانية في بيان وزعته أمس «عدم شرعية تمرير التعديلات المقررة عن طريق مؤتمر برلماني في الوقت الذي تجاوزت فيه إحدى غرف هذا البرلمان كل آجال التجديد لمجموعاتها الثلاث، وتفتقد فيه الأخرى الطابع التوافقي الضروري لمثل هذا الإجراء».
ودعت المعارضة «كافة القوى الوطنية للتكاتف والوقوف بحزم من أجل رفض وإفشال هذه التعديلات التي لا تعدو كونها مناورة جديدة من أجل إلهاء البلد عن مشاكله الحقيقية».
«فعلى الرغم من أن الرئيس محمد ولد عبد العزيز، يضيف البيان، كان قد تعهد في خطابه في النعمة بأن أي تعديل للدستور لن يتم إلا عن طريق استفتاء شعبي، وعلى الرغم من التأكيد على ذلك في مخرجات الحوار الجزئي الأخير، ها هو النظام يتجه لتمرير هذه التعديلات عبر مؤتمر برلماني بعد أن تأكد أن الشعب الموريتاني يرفض هذه التعديلات جملة وتفصيلاً». وشددت المعارضة على «أن التعديلات المقترحة لا تقدم أي حل للأزمة السياسية التي تعيشها موريتانيا منذ سنوات، بل تزيد أسبابها ومظاهرها تفاقماً، خاصة وأنها لا تكتسي أي طابع استعجالي يبرر الإصرار على تمريرها مهما كانت الوسيلة، كما أنها تعديلات تمس رموزاً ومقدسات وطنية تتشبث بها الأغلبية الساحقة من هذا الشعب».
وأضافت «إن الدستور ميثاق غليظ لا يمكن التلاعب به حسب الأهواء، ولا يجوز تغييره إلا في ظل ظروف سياسية طبيعية وفي جو يطبعه أدنى حد من التوافق الوطني، ومن أجل إجراء إصلاحات جوهرية أو حل مشاكل أساسية تعوق سير المؤسسات أو تقدم الأمة، فما تحتاجه البلاد اليوم ليس تعديلات دستورية تزيد المشهد السياسي تأزماً والشعب الموريتاني فرقةً، لا تتعدى كونها محاولة جديدة لتلبيس فشل النظام وتغطية المشاكل الحقيقية التي تعاني منها البلاد». «إن ما تحتاجه البلاد اليوم، تقول المعارضة، هو التوجه، بصورة توافقية، نحو خلق الظروف الكفيلة بحل الأزمة الراهنة عن طريق تهيئة المناخ السياسي والآليات المؤسسية لضمان تناوب ديمقراطي وسلمي على السلطة في أفق انتهاء المأمورية الأخيرة للرئيس الحالي، حتى نجنب بلادنا المطبات الخطيرة التي وقعت فيها بلدان لم تستطع أن تهيئ مثل هذه الاستحقاقات بصورة حكيمة وواقعية، وظن حكامها أنهم قادرون على البقاء أوصياء على مستقبلها». وإضافة لرفض المعارضة الراديكالية لهذه التعديلات، أكدت مصادر صحافية أمس «أن بيجل ولد هميد رئيس حزب الوئام القيادي في المعارضة الناعمة أبلغ الرئيس محمد ولد عبد العزيز خلال لقاء بينهما أمس عدم ارتيارح كتل المعارضة المحاورة إزاء إصرار الأغلبية الحاكمة على تمرير تعديلات الدستور عبر مؤتمر برلماني رغم أن الاتفاق الذي تمخض عنه حوار أكتوبر، ينص على المصادقة على التعديلات عبر استفتاء شعبي».
وذكرت صحيفة «السفير» الموريتانية المستقلة «أن رئيس حزب الوئام أكد للرئيس محمد ولد عبد العزيز استغرابه لإقرار الأغلبية تمرير تعديلات الدستور عبر مؤتمر للبرلمان بدل الاستفتاء، دون التشاور مع المعارضة المحاورة التي هي طرف سياسي في العملية».
وذكرت «السفير» في معلومات نشرتها أمس «أن الرئيس أكد لرئيس حزب «الوئام» خلال لقائهما «أن الحكومة ارتأت بأن المؤتمر البرلماني سيكون الأنسب لتعديل الدستور بسبب التكاليف الباهظة لتنظيم استفتاء شعبي». وكان حزب التحالف الشعبي التقدمي بزعامة مسعود ولد بلخير رئيس الجمعية الوطنية السابق ورئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي، قد أكد قبل يومين رفضه التام لإقرار التعديلات الدستورية عبر المؤتمر البرلماني، مشترطاً إقرار هذه التعديلات المثيرة للجدل أصلاً، عبر استفتاء شعبي مباشر. وأكدت القيادة السياسية لحزب التحالف وهو أكبر أحزاب المعارضة الناعمة في بيان وزعته قبل يومين «أن رئيس الجمهورية ليست له أية سلطة في تجاوز الاتفاقيات الموقعة من قبل المتعاقدين السياسيين».
وأضافت «أن إشاعات كثر تردادها في الآونة الأخيرة استأثرت بالرأي العام؛ واستبدت بأروقة الجمعية الوطنية، حتى كانت محل خوض تحت قبة البرلمان، تمهيدا للنكوص عن القرار الذي مكن وحده في الحقيقة بصفة ديمقراطية، في ظل السكينة والاستقرار، من النجاح في تجاوز الخلافات التي ظهرت بجلاء بخصوص بعض مقترحات تعديل الدستور».
«إن خياراً من هذا القبيل، يضيف البيان، يبقى رهن نتائج الاقتراع المباشر للشعب عبر تنظيم استفتاء يكون له القوة والفضل في إيجاد التوافق بين الفرقاء؛ بينما يبدو هذا المخرج الجيد مهدداً بإقرار خفي لا شرعي، ولا دستوري للتعديلات المذكورة عبر البرلمان».
وأضاف البيان «إذا ما تأكد مثل هذا التوجه المختل، فإن التحالف الشعبي التقدمي يؤكد أنه سيعارضه بقوة عملاً بما يوائم هدفه الدائم للمساهمة باستحقاق وسلمية وبشكل مستمر في تأسيس دولة قانون حقيقية، ديمقراطية وموحدة، تحترم القوانين التي تؤسسها والالتزامات التي تأخذها والاتفاقات الموقع عليها».
وتابعت قيادة التحالف تقول في بيانها «سيكون ذلك الإقرار لاغياً ولا مفعول له، أحادياً، لا شرعياً متناقضاً تناقضاً صريحاً مع مقتضيات الوثيقة الختامية للحوار المنقضي قبل أشهر، فليس لرئيس الجمهورية أي سلطة في تجاوز الاتفاقيات الموقعة من قبل المتعاقدين مهما كانت مبرراته».
هذا وتؤكد مواقف المعارضة بطرفيها الناعم والمتشدد من تعديلات الدستور، أن الأجندة السياسية لنظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز تواجه عراقيل جادة يجعل من الصعب إقرارها بشكل مقنع للرأي العام.
لكن الأوساط المقربة من الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز تؤكد أنه غير مكترث بهذه المواقف وأنه يتجه نحو الدعوة لمؤتمر برلماني لإجازة أجندة التعديلات المثيرة للجدل.
القدس العربي