أكد جون نيكسون، أبرز مستجوبي الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، بعد اعتقاله على أيدي قوات الاحتلال الأمريكية ان صدام أبلغه ان العراق سيتحرر من الاحتلال بعد مرور خمس سنوات على غزو أمريكا للبلد لأن الشعب العراقي سيستمر في مقاومته للأمريكيين ولكونهم لا يفهمون طبيعة العراق الإنسانية وتاريخه وصمود شعبه ولأن نظرتهم إليه سطحية ومنحازة وقصيرة النظر.
وعبّر نيكسون الذي عمل كمحلل في وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية عن سخطه للطريقة التي تم خلالها تسليم الرئيس صدام من قبل القوات الامريكية المحتلة إلى السلطة العراقية التابعة لها آنذاك في كانون الأول (ديسمبر) 2006 والتي تخالف الشرائع القانونية الدولية حيث تم إعدامه من دون مشورة دولية وقبل إتمام الإجراءات التي تتم في العادة بالنسبة للاتهامات بالإبادة الجماعية الموجهة إليه ومحاكمته استناداً إليها.
وتحفظ نيكسون على تساؤلات الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الابن له خلال حلقة دُعي المؤلف إليها وسأله بوش: «هل قال لك صدام لماذا رفض العرض الذي تقدّمت به في 17 آذار (مارس) 2003 بالخروج من العراق حياً؟ وهل كان يجهل بانه سيتم إعدامه إذا رفض هذا العرض؟» واكتفى نيكسون بالرد بان صدام كان جاهزاً لقبول مصيره، ولم يكن مستعداً لقبول العرض الذي قُدم اليه بالدعوة إلى وقف المقاومة العراقية مقابل ان يبقى حياً.
وفي الصفحة (154) من كتابه «جمع المعلومات من الرئيس: استجواب صدام حسين»، يقول نيكسون ان صدام أبلغه بان آية الله الخميني لم يعرض على العراق السلام فكان من الواجب مواجهته عسكرياً وخصوصاً ان الخميني كان يسعى للوصول إلى كربلاء عبر الغزو العسكري. بيد ان صدام بدا متحفظاً، حسب نيكسون، حول خطوته في غزو الكويت التي كلفته كثيراً في علاقته مع الدول الغربية، التي لم تكن كلياً سيئة قبل قيامه بهذه الخطوة.
في الصفحتين (157، 158) يقول الكاتب ان الجنرال الأمريكي ماكرايفن عَرَضَ على صدام حسين ان يوقع على بلاغ يدعو فيه قوات المقاومة العراقية بوقف القتال ضد المحتلين مع تهديد مبطن بانه إذا لم يفعل ذلك فسيتم إعدامه فقال صدام: «ما هو سنّي الآن؟ لا أعرف عدد سنوات حياتي المتبقية. هذه الطريقة من الخطأ اتباعها مع صدام حسين. عليهم ألا يهددونني. من الأفضل ان يحاورونني، فانا اؤمن بالحوار. نحن نقول انه إذا اردتم وقف حقن الدماء فعليكم انهاء الاحتلال، ولكننا سنخسر كل شيء إذا اوقفنا مقاومتنا العسكرية لكم (ص 158).
ومن أبشع المقاطع في الكتاب ما ورد في الصفحتين (231 ـ 232) من خاتمته حيث بدت الازدواجية الأمريكية في المعايير في أسوأ حالاّتها. يقول نيكسون ان الحكومة الأمريكية طلبت من السلطة العراقية آنذاك تأخير اعدام صدام حسين بسبب تزامن الموعد مع عيد الأضحى وكون مثل هذا الموعد سيثير مشاعر مسلمي العراق المتعاطفين معه. ولكن السفيرة بالوكالة مرغريت سكوبي قامت بتسليم الرئيس صدام للسلطات العراقية آنذاك، بالرغم من ان «تعليمات» تُركت اليها بعدم اتخاذ مثل هذا القرار، ويشير نيكسون إلى انها خضعت لضغوط العسكريين الأمريكيين الكبار وقامت بتسليم الرئيس العراقي إلى السلطة العراقية من دون الحصول على ضوء أخضر من وزارتي الدفاع والخارجية الامريكيتين.
وفي الصفحة الأخيرة من الكتاب يقول المؤلف ان الرئيس صدام حسين أُعدمَ من قبل زمرة جلادين انتقمت من خصمها السياسي بطريقة غير مقبولة بحسب الشرائع القانونية الدولية، وان أمريكا وقفت موقف المتفرج المتواطئ مع هذا الامر، ومثل هذه السياسات لا تتوافق (حسب نيكسون) مع القيم الإنسانية الامريكية التي يقاتل ويموت الشباب الأمريكي من أجلها، ويصف نيكسون اعدام صدام بانه تم في «مستودع مظلم وفي منتصف الليل».
ومع ان «وكالة الاستخبارات المركزية الامريكية» حذفت مقاطع كثيرة من كتاب جون نيكسون وطمست بالأسود قسماً منه في النسخة الموزعة في المكتبات، بيد ان بعض ما ورد في الكتاب يبقى مفيداً تاريخياً.
في الصفحة (66) يوضح نيكسون ان صدام أبلغه انه يشكك في مواقف معظم القادة والزعماء العرب السابقين والحاليين باستثناء القائد المصري جمال عبد الناصر، وان قادة العالم المفضلين بالنسبة إليه هم الجنرال الفرنسي شارل ديغول وقادة ثورات روسيا والصين وأمريكا ولينين وماو تسي تونغ وجورج واشنطن وان الفرنسي السابق جاك شيراك الذي كان يكنّ له الصداقة والاحترام تخلى عنه في محنته.
ومن الاتفاقات التي أغضبت صدام كثيرا اتفاقية إيران ـ كونترا الإيرانية ـ الامريكية التي تبين لصدام انها شملت بنداً ووعداً باقصائه عن قيادة العراق، حسب قوله.
اما بالنسبة لاستخدام العراق السلاح الكيميائي لإبادة أكراد حلبجة والتي تم التذرع بها وبغيرها لإعدامه فقال صدام لنيكسون ان منفذيها كانوا من أركان نظامه، ولكنهم قاموا بها من دون علمه، وعلى رأسهم القائد العسكري نزار الخزرجي.
وأشار صدام انه لم يضمر أي عداء للأكراد الـعــراقــيــين ولا لـــشــيعة العــراق الذين قاتلوا بشجاعة في الجيش العراقي. وان المجموعتين تسلمتا مناصب رفيعة في القيادة العراقية. كما ان صدام عامَلَ آية الله الخميني معاملة لائقة خلال لجوئه في العراق اثناء معارضته لنظام شاه إيران.
وأشار صدام معارضته للاصولية الإسلامية العنيفة إذا أتت من اصوليين من السنّة المسلمين أو من الشيعة وبأنه لم يمتلك أي علاقة مع منظمة «القاعدة».
وأكد لمحاوره بانه بريء براءة كلية وشاملة مما اتهم به من اغتيال ابن خاله (شقيق زوجته) الجنرال عدنان خير الله في عام 1989 وانه اعتبَر خير الله الشخص المقرب اليه أكثر من أي شخص آخر، علماً ان عدنان كان يحظى بشعبية كبيرة في القوات المسلحة العراقية. كما تنصّل صدام في حواره مع نيكسون من عمليتي اغتيال رجل الدين الشيعي (القائد السياسي) محمد باقر الحكيم ووالد مقتدى الصدر محمد صادق الصدر ومن محاولة قتل الرئيس الأمريكي جورج بوش الاب.
واعتبر صدام ان كل رئيس امريكي يتسلم منصبه الرئاسي يحاول ان يتخذ موقفاً صقورياً هجومياً ضد العراق لأن العراق قلب العروبة والمقاومة ضد الاحتلال وضد إسرائيل ولأن العراق ضد الطائفية والفئوية.
وفي إشارة من المؤلف إلى توجهات جورج بوش الابن التصعيدية ضد العراق عموماً (وليس ضد صدام حسين فقط) يقول انه دُعي في عام 2008 إلى لقاء مع بوش وديك تشيني واعوانهما (بعد سنة وأشهر قليلة على اعدام صدام) وسأله بوش الابن اذا كان من المفيد اغتيال مقتدى الصدر لكونه يقود معارضة مسلحة ضد الوجود الأمريكي في العراق، فابلغه نيكسون ان هذا الامر سيحوّل مقتدى إلى شهيد وإلى رمزٍ للمقاومة. وبعد ذلك سأله بوش الابن عن رأيه في شخصية الرئيس صدام من خلال استجوابه له ومحادثاته معه، فابلغه نيكسون ان صدام كان يحسن الحديث إلى مستجوبيه ويملك روح الفكاهة واللباقة، فغضب بوش إزاء ما قاله نيكسون ونظر إلى نائبه ديك تشيني بانفعال مما اضطر نيكسون إلى تغيير نمط اجاباته وعندها ارتاح بوش الابن واعتبر انه قام بالخيار الصحيح في التعامل معه كمستشار.
ويشير نيكسون انه حتى بعد اعدام الرئيس العراقي استمر بوش الابن وتشيني في التركيز على قضية الأمكنة التي خبأ فيها صدام أسلحة الدمار الشامل، وكأن هذه القضية أصبحت وسواساً لدى بوش الابن سعياً لاراحة ضميره وان ما فعله في العراق كان امراً مبرراً رغم تقارير المفتشين التي لم تحسم الامر.
القضية التي لم يوضحها الكتاب تماماً كانت علاقة صدام بنجليه عدّي وقصي وبصهريه حسين وصدام كامل والطريقة التي اضُطر الصهران بنتيجتها للجوء إلى الأردن ثم أُعطيا الضوء الأخضر للعودة إلى العراق حيث تمت تصفيتهما في عملية غريبة ادهشت الكثيرين.
نيكسون يشير في الصفحة (117) من الكتاب إلى ان صدام حسين وبرغم انه كان فخوراً بولديه قصي وعدّي فانه شعرَ بضرورة ضبط تصرفاتهما وخصوصاً تصرفات نجله الأكبر عدّي وميله للقيام بمبادرات فردية تتسم بالرعونة وخصوصا دفعه حسين كامل وشقيقه صدّام كامل إلى اللجوء للأردن عام 1995، حيث تعارك عدّي مع صدام كامل جسدياً وأشهرَ سلاحاً في وجهه وأطلق النار. ويقول نيكسون في الصفحة التالية ان صدام حسين انفعل لدى حديثه عن ابنتيه رغد ورنا واضطرارهما إلى مغادرة البلد مع زوجيهما بسبب هذه الحادثة وما تلاها، وقال له انهما احبتاه كثيراً وانه بادلهما هذا الحب هما واولادهما، ولكن صدام حسين أكد لنيكسون انه لم يوعز باغتيال الاخوين كامل لدى عودتهما إلى العراق عام 1996، بل على العكس فهو وقّع وثيقة السماح لهما بالعودة.
سمير ناصيف
John Nixon: «Depriefing The President: The Interrogation of Saddam Hussein»
Bantam, London 2016
239 pages.